الثورة _ أديب مخزوم:
تشارك الفنانة هبة فرح في معرض تحية لروح الباحث د.م. سلام يوسف طعمه ، الذي سيفتتح في المركز الثقافي العربي بكفرسوسة مساء 22 حزيران 2023، برعاية وزارة الثقافة ـ مديرية ثقافة دمشق، وبمشاركة فنانين وفنانات من كلّ الأجيال، ومشاركتها الجديدة تشكل امتداداً لمشاركتها في معرض الاحتفاء بالفنان التشكيلي محمد هدلا .
ولوحاتها تستنطق مشاهد وعناصرالطبيعة، في مظاهرها الخارجية، بما فيها من أشجار وأغصان ربيعية وزهور وورود وعشب أخضر، وبالتالي فهي تتجاوز إشكالية القطيعة القائمة بين الفن التشكيلي والجمهور، كونها ترسم بواقعية واضحة ومفهومة، وقادرة على التقاط التفاصيل الدقيقة، وكلّ ذلك بألوان هادئة ومساحات ولمسات فيها شيء من العفوية، وبالتالي فهي تحدد الخطوط الخارجية للعناصر المرسومة حسب منطقها الواقعي ومنهجها التوليفي ، ورغم ذلك تصل في لوحات أخرى إلى إضفاء العفوية اللونية ، بصياغة فنية تقترب من الواقعية الجديدة أوالانطباعية .
ولوحات هبة فرح على هذا زاخرة بمشاهدها الواقعية، القادمة من حضور درجات الدقة في رسم مشاهد الطبيعة والعناصر الإنسانية والطيور وغيرها، ولقد كانت ولا تزال تبحث عن حل لتجليات الرجوع إلى ينابيع الواقعية، دون أن تخون مشاعرها الذاتية، التي تترك أثرها الواضح على قماش اللوحة عبر لمسات اللون العفوي والتلقائي في أحيان كثيرة .
وأعمالها تمنح عناصرها المرسومة ، خصوصية أسلوبية ، حين تصوغ باللمسة اللونية المدروسة والواعية والهادئة والمتوازنة عناصر الأشكال، كما ترسم الظلال في تدرجاتها بين التعتيم والتفتيح ، للوصول إلى مشاهد الطبيعة النابضة بالفرح والبهجة ، وهنا تبرز المشاهد الربيعية التي تسعى إليها .
وبذلك فهي تمتلك القدرة، على المجاهرة برؤى واقعية ، لاسيما وأن صالونات الفن في المدن الكبرى، سجلت خلال العقود الأخيرة، في بعض تياراتها، عودة إلى الواقعية المحدثة ، في تفرعاتها وتشعباتها وتطلعاتها وبطريقة معبّرة عن خصوصيات كلّ تجربة فنية على حدة.
هكذا كانت هبة فرح ولا تزال تجسد أشكال الطبيعة والعناصر الإنسانية والبيوت والزهور، برؤية فنية، تبرز تدرجات الظل والنور، والعناصرالصغيرة والدقيقة ، ثم تنتقل في لوحات أخرى لتجسيد معطيات العفوية اللونية المتجاوبة مع ثقافة فنون العصر.
وهذا يعني أنها انطلقت في تجسيد الأشكال المختلفة، من خلال تقيدها بأدق درجات الدقة، في الرسم الواقعي، والذي يعطي الأولوية للمسة اللونية الهادئة والواعية، والبعيدة كلّ البعد عن اللغة التشكيلية الانفعالية والعبثية ، في وقت استطاعت فيه تحقيق حالات العفوية على الصعيدين التكويني والتلويني .
ومن خلال هذه الرقابة العقلانية المنضبطة، والمركزة تظهر هواجس الارتباط بفن جماهيري له قواعده الثابتة، وأسسه المتوارثة، والمفهومة من كلّ الشرائح والمستويات والأعمار، بحيث تبدو أشكالها رغم واقعيتها مرتبطة بشخصيتها، لأنها صادقة، فمتى وجد الصدق وجد التميز، فاللوحة تتأسس على مناخات لونية متقاربة، بعيدة إلى حدود التعاكس عن العنف والصراخ اللوني الوحشي المقروء وبكثرة في لوحات الآخرين، كونها تنحاز إلى التعبير الهادئ، وإلى المشهدية البصرية الملطفة، وتبوح بما في أعماقها من مشاعر وأحاسيس .
منذ طفولتها، لم تكن هبة فرح، عاشقة للرسم فحسب، بل كانت ولا تزال وستبقى عاشقة للموسيقا والغناء الراقي والخالد، وخاصة تراث الموسيقار العالمي فريد الأطرش، محققة بذلك مقولة بول كلي «من يرسم يجب أن يمتزج بالموسيقا»، وهي تسعى لتحسس المادة اللونية العفوية، التي تحيط أو تسكن طبيعة العناصر، التي تعزف حركة الأشكال والأشياء والأماكن والمشاهد بألوانها التي توازن بين اللمسة والأخرى بحركات متتابعة ومتداخلة ومتمازجة تلتقط لحظات مستمرة وصولاً إلى حالات الدمج بين رؤى الواقع ومعطيات الخيال .
فالأجواء الواقعية المثبتة في تفاصيل الأشكال، هي حالة إيمائية تقتنص الإشارات وتدمج التفاصيل الحميمية للعناصر، لتعبرفي النهاية عن قدرة التعاطي مع موضوعات الطبيعة والزهور،على الإيقاظ والتجدد.
