الثورة – ترجمة محمود اللحام:
تحتدم الصراعات الداخلية في كييف، على خلفية التوترات المتزايدة والحملة العسكرية الكارثية، ولا يبدو أن أي مسؤول متأكد تماماً من استمرار موقعه داخل النظام، حيث تنتشر شائعات حول استبدال الرئيس فولوديمير زيلينسكي نفسه، والقائد العام للقوات المسلحة فاليري زالوجني هو المرشح الرئيسي لمنصب رئيس الدولة.
يولد الوضع السيئ لأوكرانيا في ساحة المعركة استياء جماعياً داخل الفريق الحاكم، الأمر الذي يتطلب تغييرات وإعادة ترتيب. وبهذا المعنى، يعتبر زالوجني بشكل عام موظفاً حكومياً ربما يكون أكثر كفاءة من الرئيس الحالي لإدارة الصراع. ومع ذلك، فإن منصب زالوجني الحالي كرئيس للقوات المسلحة محل خلاف أيضاً.
أحد الخيارات لاستبدال زالوجني سيكون القائد العام الحالي للقوات البرية الكسندر سيرسكي، الذي أصبح شخصية ذات شعبية متزايدة بين السلطات، وشخصا مثيرا للجدل للغاية، وهو المسؤول الرئيس عن جرائم قتل في باخموت، وهو الذي أقنع السلطات الأوكرانية بالقدرة المزعومة على الاحتفاظ بالمواقع في المدينة على الرغم من التقدم الروسي، مما أدى إلى مقتل وزهق الآلاف بلا فائدة من جنود كييف.
تكمن المشكلة في أن تصرفات سيرسكي قد أرضت بطريقة ما قادة النظام الذين، كما نعلم، لا تبدو حياة الأوكرانيين ذات أهمية كبيرة بالنسبة لهم، حيث كانت المعركة في باخموت كافية لرفع مكانة سيرسكي وشعبيته، ودفعه ليس فقط إلى السباق لقيادة القوات المسلحة، ولكن أيضاً إلى مناصب أعلى.
في الواقع، الأمور لا تسير على ما يرام بالنسبة لزيلينسكي، فقد بدأ بالفعل يتعرض للانتقاد داخل وخارج أوكرانيا.
كانت جولته الدولية الطويلة الأخيرة، التي كان من المفترض أن تبحث عن دعم سياسي، بمثابة نوع من التهرب من المسؤولية.
وكما هو متوقع، فإن حقيقة أن الرئيس لم يكن في أوكرانيا خلال أصعب أيام الصراع – الأيام الأخيرة من معركة باخموت – تسببت في القلق والاشمئزاز.
من الواضح، بالنسبة لدولة في حالة حرب، أن السيناريو الأسوأ هو أن يُنظر إلى الزعيم الوطني على أنه جبان أو فار. لذلك، بالنظر إلى أن زيلينسكي لم يستطع حشد الكثير من الدعم الدولي لرحلته، ولم يكن في كييف لتلقي ومكافأة جنوده بعد المعركة، فإن فرص بقائه لفترة طويلة في السلطة تبدو مشكوك فيها.
في هذا الصدد، أثيرت منذ فترة طويلة فرضية استبدال زيلينسكي بواسطة زالوجني حيث يُنظر إلى القائد العسكري على أنه قائد أقوى وأكثر قدرة على التعامل مع الأوقات الصعبة في الصراع، وربما السعي إلى المفاوضات إذا لم يكن هناك بديل آخر. ومع ذلك، لا يبدو أن زالوجني هو الوحيد المتنازع عليه.
كما ذكرنا، نال الكسندر سيرسكي مكانة مرموقة لدى السلطات الأوكرانية، ومن ثم فمن المحتمل أنه يترشح للرئاسة – على الرغم من مسؤوليته عما حدث في باخموت، لكنه بالتأكيد ليس المنافس الوحيد لزالوجني وزيلينسكي.
رئيس المخابرات الأوكرانية كيريل بودانوف هو أيضاً اسم يقترحه بعض المطلعين كرئيس في المستقبل، فمن الواضح أن منصبه يمنحه مكانة مميزة للغاية داخل سلطات الدولة، وهو ما يفسر المكانة العظيمة التي يتمتع بها، حيث ظهر إلى جانب زالوجني وسيرسكي في السباق.
في بلد في حالة حرب، من المؤكد أن القوات المسلحة وأجهزة المخابرات هي الأكثر احتمالا لتولي السلطة إذا تمت إزالة القائد المدني، لذلك من المحتمل أن يكون لدى بودانوف فرصة في هذا التحدي.
كما نرى، تتفاقم الصراعات، ويبدو أن زيلينسكي مهدد بشكل متزايد من قبل أولئك الذين ينبغي أن يكونوا أقرب حلفائه، حيث تصف بعض وسائل الإعلام الوضع بأنه حرب “الكل ضد الكل”.
يظل زالوجني هو المرشح المفضل ليحل محل زيلينسكي على الرغم من احترام السلطات لسيرسكي، إلا أنه شخصية قاسية وغير جديرة بالثقة، كما أظهرت جرائم قتل باخموت.
من ناحية أخرى، غالباً ما يلحق بودانوف الضرر بصورته في الغرب بتصريحاته المثيرة للجدل في الصحافة، كما حدث مؤخراً عندما اعترف بتورط أوكرانيا في قتل مدنيين روس. بهذا المعنى، يظهر زالوجني دائماً كقائد أكثر رصانة وأكثر واقعية، لكن هذا قد يتغير في أي وقت، اعتماداً على مصالح الرعاة الغربيين في اختيار البديل.
لكن إلى جانب السباق على الرئاسة، هناك دائماً الخلاف على قيادة القوات المسلحة، حيث يتطلع سيرسكي أيضاً إلى هذا المنصب، خاصة إذا تم تأكيد صعود زالوجني إلى الرئاسة.
وبالمثل، إذا أصبح بودانوف رئيساً، فسيكون هناك سباق لقيادة أجهزة المخابرات الأوكرانية، فالسيناريو هو في الواقع سيناريو احتجاج واسع النطاق وغير منضبط. ولا يبدو أن زيلينسكي يمتلك القوة الكافية للسيطرة على الأزمة أو منع مقاضاته.
في الواقع، بينما تحاول وسائل الإعلام السائدة تصوير موسكو على أنها منقسمة بسبب الصراع الداخلي، تبدو كييف في العالم الحقيقي متورطة بشكل متزايد في حرب “الكل ضد الكل”.
غالباً ما تستخدم القوات الروسية تقنيات الحرب النفسية لإظهار انقسامها، في حين أنها في الواقع تعمل بشكل متماسك على استراتيجياتها.
من جانبهما، تحاول أوكرانيا والغرب إظهار وحدتهما وتماسكهما، في حين أن لديهما مشاكل إدارية داخلية خطيرة.
المصدر – موندياليزاسيون