الثورة- ياسر حمزه
عُرِفَت دمشق تاريخياً بكثرة الخانات المتواجِدة فيها, ذلك أنّ موقعها على طريق التجارة العالمية بين الشرق والغرب جعلها مَقْصَداً للتجَّار والزائِرين من كل مكان, فانتشرت في دمشق وعلى طُرُق السفر المؤدّية إليها منذ العام 720 ميلادية.
وفي دمشق اليوم، مُعظم ما تبقَّى من هذه الخانات، إما مُهْمَل ومُقْفَل، أو يُسْتَخْدَم من قِبَل تجَّار أسواق دمشق القديمة كمُستودعاتٍ لبضائعهم، ما شوَّه شكلها المعماري عبر إدخال بعض التعديلات عليها، وإشغال باحاتها الداخلية ومداخلها بنشاطاتٍ تجاريَّةٍ كثيفة، أدَّت إلى احتراق بعضها، كما حصل لــ “خان الصوَّاف” في “سوق البزوريّة” نهاية العام 2020.
تاريخ الخانات
جاء في المصادر التاريخيّة، أنَّ تلك الخانات برزت بعد الفتح الإسلامي لدمشق، وأيّام الدولة الأمويّة، وتعدَّدت أغراضها في المرحلة الأولى كأبنيةٍ للاجتماع والمَبيت وتخزين البضائع، كما تنوَّعت وظائفها بين إيواء القوافل التجارية وتموينها، وبين كونها مقرَّاً للمُقاتلين، ووصل عددها إلى ما يفوق 100 خان.
و أنّ “جُلّ ما بُنِيَ في دمشق بعد ذلك من الخانات يعود إلى العهد العثماني، ومن هذه الخانات ما حمل اسم بانيها كخان أسعد باشا العظم في سوق البزوريّة، وخان سليمان باشا في سوق مدحت باشا، ومنها ما كان يُمثِّل فئة من الجُند فنُسِبَ إلى تلك الفئة كخان اللاوند وخان الدلاتية”.
وبأنّ دور الخانات الاقتصادي سابقاً، انحصر في التجارة، كمُلتقى للتُجَّار، وتخزين البضائع ,وجميع الخانات المُتبقيّة اليوم مُسجَّلة في القوائم الأثريّة، أي أنَّها تحت حماية مديريّة الآثار، لا يجوز هَدْمها وتغيير أوصافها.
نمط الخانات العُمراني
بُنِيَت الخانات على الطُرُقات العامة، خارج سور دمشق وداخله، وفقاً للعمارة الإسلامية، وانقسمت من حيث الملكية إلى ثلاثة أقسام، سُلطانية (ملك للسُلطان) وتُسْتَخْدَم للأغراض العسكرية أو التجاريّة أو لإيواء الحجَّاج. والنوع الثاني الخانات الخيريّة التي أُنْشِئَت لتُقدِّم الموارد الثابتة للمؤسَّسات التعليمية أو الخيرية، وثالثها الخانات التي يُنشئها الأثرياء والتجَّار أصحاب النفوذ لاستثمارها من أجل الربح.
ويتكوَّن الخان كنمطٍ عُمراني ، من طابقين أو ثلاثة، السُفلي للبضائع وحظائر للدواب، والطابق الثاني للمُسافرين والتجَّار، كالفنادق حاليّاً.
و تصميم خان المدينة، بشكلٍ عام، لم يتغيَّر على مرِّ العصور, فهناك صحن مركزي مكشوف يتوسّطه حوض, وتُحيط بالصحن بوائك أُقيمَت الدكاكين تحتها، لتبقى أبوابها محميّةً من الحرّ صيفاً ومن المطر شتاءً.
ومن الناحية الإدارية، قد يكون الخان مؤسَّسة دينيّة مُرتبطة بوَقْفٍ يُحوَّل ريعه لصيانة مدرسةٍ أو مسجدٍ أو إطعام مسكين أو فقير.
وقد يحمل الخان اسم الحرفة أو الصنعة التي تُمارَس فيه، كخان الزيت وخان الجمرك، وخان الجواري الذي كانت تُجْلَب إليه الجواري من الرقيق. وما كان منها مُلْحَق بالخانات لبنات الهوى، وتحديداً في العصر العثماني.
الخانات اليوم
لم يبق من كل تلك الخانات إلا العدد القليل؛ واقتصرت خدماتها على استعمال المستودعات والدكاكين من قِبَل مُستأجرين لا تجمعهم إلا تجارة مُشتركة أو مِهَنٌ واحدة، وربّما سكنت غرفةً عائلات فقيرة.
والخانات الدمشقية المُتبقيّة من الحُقبتين المملوكية والعثمانية هي، الجَمَقْمَق، الزيت، الدكّة، والتي تقع على امتداد سوق الحميدية، والمُسْتَخْدَمة من قِبَل تجَّار دمشق كمستودعاتٍ لبضائعهم، والسفرجلاني في حيّ القيمريّة ، وسليمان باشا الذي يخضع للترميم حاليّاً. وخان أسعد باشا، الوحيد الذي مازال محافظاً على طرازه المعماري وعمارته الإسلاميّة.
واعتبر مؤرِّخون أنَّ تحوُّل طُرُق التجارة إلى عرض البحر، مع ظهور السفن البخارية، مثلَّ تحدّياً للخانات لم تستطع مواجهته، لتأتي السيارات التي تعمل بالنفط، وتُبَدِّل خارطة الطُرُق التجارية، وتُخْرِج الخانات من دورها التاريخي.