الثورة- ديب علي حسن:
مما لاشك فيه أن العالم يعبر أخطر مراحله الاقتصادية والاجتماعية وبالتالي الروحية، وتهيمن عليه نزعة التسلط المادي نتيجة المواقف والفلسفات الغربية التي لا ترى الآخر الا تابعا لها ولا تعترف بجماليات القيم، وبالتالي المأزق الحضاري الآن قيمي وأخلاقي ولن يبقى دون انفجار ..
هذا التأزم ليس وليد الليلة بل إنه من نصف قرن ونيف، وقد عبر عنه ميخائيل نعيمة في الكثير مما كتبه، وها هو يخاطب الغربي الذي تسلم قيادة العالم لكنه يقوده إلى الهلاك ..يقول نعيمة
(لقد تسلَّمْتَ يا أخي قيادة الناس زمانًا ليس باليسير، فأحسنتَ وأسأتَ؛ لكنك أسأتَ أكثر مما أحسنتَ. وها هي ذي البشرية لا تنهض من حفرة إلا لتقع في أخرى، ولا يلتئم لها جرح حتى ينفتح في جسمها ألفُ جرح. وإني لأسمعُها في خلواتها وصلواتها تستغيث بي. فتنحَّ وناولْني الأعِنَّة!”
بمثل هذا الكلام أسمع قلب الإنسان المفجوع بآماله يخاطب عقله المغرور بأوهامه. ولا عجب. فالتوازن بين الاثنين قد اختلَّ إلى درجة لا تطاق؛ فلا بدَّ من تعديله وتصحيحه.
وإني لأبصر أعنَّة البشرية التائهة ما بين سمعها وبصرها تنتقل من يد الغرب – وهو توأمها الماشي على ضوء البصر – إلى يد الشرق – وهو توأمها السائر على هدى البصيرة. وإني لأرى هذا الشرق يعبِّئ قواه منذ الآن للقيام بمهام القيادة الملقاة إليه.
والذي يعبِّئه الشرق لن يكون – بإذن الله – جيوشًا برية تحمل النقمة والثأر، ولا عمارات بحرية تزرع الويل والدمار، ولا أساطيل جوية تُمطِرُ الناس كبريتًا ونارًا؛ بل سيكون بلسمًا لجراح الإنسانية الدامية، ودعامة لِما تصدَّع من إيمانها بالعدل والأخوَّة، وطعامًا وريًّا لِما جاع وعطش فيها إلى السلام الذي لا ينام على الأسنَّة والشفار، والحرية التي تأبَى فوهة المدفع مسكنًا لها، والحقَّ الذي يُغيث ولا يستغيث.
وإذ ذاك فما على الشرق إلا أن يدير وجه البشرية شطر الهدف الذي أدارت له قذالها من زمان. فهدف الشرق ما برح وضَّاح الجبين والسُّلَّم الأوحد الواصل ما بين الأرض والسماء. والمنارات القائمة على جانبي الطريق المؤدي إليه ما تزال تشعُّ القوة والإيمان لكلِّ قلب جسور ينشد الحقَّ).
والى مثل هذا يذهب الفيلسوف العربي الكبير الدكتور زكي نجيب محمود في كتابه الجميل (الشرق الفنان) إذ يقارن فيه بين العالم الغربي والشرق ويرى أن الشرقي يعمل بروحه وصوفيته وهو أقرب الى الحالة الوجدانية بينما على العكس يعمل الغربي تماما ..يقول زكي ( تاريخ الغرب إلا أقله هو تاريخ العقل النظري وتاريخ الفكر في الشرق إلا أقله هو تاريخ الإدراك الصوفي والحاسة الجمالية …) .
وحسب زكي كما نعيمة فلابد من تكامل العقل مع الروح فالعقل وحده بارد سقيم لايقود نحو القيم وبالتالي تسود النزعة الفردية القاتلة، وهذا ما نراه اليوم وتعمل عليه آلة الضخ الغربي وتروج له الليبرالية الحديثة ..وتتجلى أشكال صراعه في جنون الغرب ضد القيم الحضارية الروسية التي لايمكن أن تقبل ما انحدرت إليه في الغرب ويريد الغرب فرضها على العالم ..
القيم الثقافية والحضارية ونبعها الصافي سورية هي الملاذ الذي ينقذ العالم.
التالي