الثورة – ترجمة محمود اللحام:
في غرب السودان، في دارفور، تحول القتال بين المتحاربين إلى صراع، أخذ بعداً عرقياً بين ميليشيات الجنجويد المدعومة من قوات الدعم السريع، والمجتمعات غير العربية، التي شكلت مجموعات أهلية.
القتال الذي اندلع في الخرطوم في 15 نيسان الماضي بين القوات المسلحة السودانية بقيادة اللواء عبد الفتاح عبد الرحمن البرهان وقوات الدعم السريع التابعة للجنرال محمد حمدان دقلو “حميدتي” ، سرعان ما امتد إلى دارفور.
لكن الحرب في غرب دارفور اتخذت منعطفاً عرقياً، إذ سرعان ما تحول القتال إلى صراع بين ميليشيات الجنجويد العربية، وبين ما تسمى بالمجتمعات الأفريقية، أي غير العرب – بما في ذلك المساليت – الذين شكلوا مجموعات للدفاع عن النفس، وهؤلاء يشكلون غالبية ضحايا العنف.
كانت الحرب التي بدأت في عام 2003 في دارفور قد أدت بالفعل إلى نزوح ما يقرب من نصف المساليت من غرب دارفور إلى تشاد.
ومنذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أقام عمر البشير سلاماً بين المنتصرين هناك، وأعطى السلطة للمشيخات العربية التي أنشأها النظام من الصفر، كما قال الباحث جيروم توبيانا، وهو أحد أفضل المتخصصين السياسيين في المنطقة، ثم تمت اتفاقات جوبا الموقعة عام 2020 بين الحكومة والجماعات المتمردة، حيث شعر قادة الجماعات بأن مكاسبهم مهددة فساعدوا على إعادة المنطقة إلى العنف.
يتجاهل الفاعلون المحليون الصراع على المستوى الوطني، لكنهم استغلوا الحرب التي اندلعت في الخرطوم لشن حربهم الخاصة، أو بالأحرى لمواصلة الحرب التي بدؤوا بها بالفعل. يتابع جيروم توبيانا، أن مليشيات الجنجويد تستغل الطرفين المتحاربين لدفع حملة للاستيلاء على الأراضي ومشروعها للسيطرة على ولاية غرب دارفور.
ونتيجة لذلك وقع الناس تحت الحصار، واشتعلت النيران في السوق الرئيسي والإدارات ومخيمات النازحين. ومنذ نهاية أيار الماضي، انقطعت شبكات الكهرباء، مما جعل الاتصالات الهاتفية مستحيلة. متأثرة بالقتال ونقص الأدوية أو الكهرباء، إضافة إلى أن جميع المراكز الصحية معطلة عن الخدمة.
عقب مقابلة تلفزيونية اتهم فيها قوات الدعم السريع FSR والميليشيات المتحالفة معها بارتكاب إبادة جماعية، اعتقل جنود اللواء “حميدتي” حاكم المساليت في غرب دارفور ، خميس عبد الله أبكر، يوم الأربعاء 14 حزيران الجاري.
وبعد ساعات قليلة تم إعدامه وتشويه رفاته. وتُعزى وفاة هذه الشخصية التاريخية من متمردي دارفور، الذي أصبح حاكماً بعد توقيع اتفاقات جوبا للسلام في عام 2020، إلى FSR، الذين نفوا أي تورط لهم وألقوا باللائمة على الخارجين عن القانون.
كل شيء يؤكد تورط FSR، لكن هذا لا يعفي الجيش النظامي من مسؤوليته عن حماية مسؤول رفيع في الدولة.
ووسط القتال، استهدفت قوات الدعم السريع وحلفاؤها العديد من الشخصيات العامة. فقد استنكرت نقابة المحامين في دارفور مقتل العديد من أعضائها والصحفيين والأطباء والنشطاء السياسيين والزعماء التقليديين، وقُتلت أسرة سلطان المساليت بصاروخ أطلقته القوات شبه العسكرية.
هذا استهداف عرقي وسياسي، حيث يجبرون على دخول بيوت المثقفين، وفكرتهم هي إقامة دولة عربية هنا، لتحل محل المساليت، والاستيلاء على الأرض.
عندما لا يتم ذبحهم في الشوارع، يتم اصطياد المدنيين على طرق المنفى المؤدية إلى تشاد المجاورة، حيث لجأ إليها أكثر من 120 ألف شخص خلال شهرين.
وللوصول إلى هذا المركز الحدودي التشادي، يعبر رتل من آلاف المدنيين سيراً على الأقدام مساحات من الأرض التي غمرتها الأمطار الأولى. في بعض مقاطع الفيديو التي نشرتها صحيفة لوموند، صدرت أوامر لمجموعات من اللاجئين، بعضهم يحمل أطفالهم بين أذرعهم، بالركض من قبل الجنود التشاديين الذين يرحبون بهم، بينما دوى الرصاص الذي أطلقه رجال المليشيات السودانية حول الحدود، تثير المخاوف من الوقوع بنيرانها.
منذ بدء حرب القادة في الخرطوم، هناك ما يقرب من 2 مليون نازح، يوجد أكثر من 270.000 في غرب دارفور.
ويحذر مارتن غريفيث وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية من أن دارفور تنحدر بسرعة إلى كارثة إنسانية، لذلك على العالم ألا يدع ذلك يحدث، وهذه ليست المرة الأولى، مشيراً إلى أن الحرب تسببت قبل عشرين عاماً في مقتل أكثر من 300 ألف شخص.
المصدر – لوموند