حركة المعارض الفنية التشكيلية المتواصلة هذه الأيام في دمشق والمدن السورية، بدون توقف أو انقطاع، قد تتوازى أو تتجاوز حركة المعارض الموجودة في مدن الفن الكبرى، وفي مقدمتها باريس عاصمة عواصم الفن الحديث والمعاصر ( سمعت كثيرين يقولون باريس ليس فيها معارض أكثر من دمشق ) .. وبالطبع المعيار ليس في كثرة المعارض، إنما في نوعيتها وقدرة فنانيها على الاستمرار والتميز والتجدد الدائم والمتواصل.
ومع هذه الكثافة في الإنتاج والعرض بتنا نعرف توجهات كل صالة، فهناك صالات لا تشجع ولا تستقبل إلا الأعمال المتطرفة في حداثتها وعفويتها وتقنياتها ، من التجريد اللوني إلى أقصى حالات التبسيط والاختصار والاختزال مروراً بالأعمال التركيبية والتجهيز والفيديو آرت وسواها ، وهذه الصالات لا تعرض الأعمال الواقعية أو التسجيلية نهائياً، بدليل أننا لم نشاهد فيها معرضاً لفنان واقعي من النمط الذي نسميه تسجيلي أو تقليدي.
وعلى خلاف ذلك هناك صالات تعتبر الاختبار التقني البحت وأعمال التجهيز والتجميع والديجيتال تشكل خطراً على الفن، ولهذا فهي تتعامل معها بتحفظ، وتعرض لأسماء معروفة وراسخة في حركتنا الفنية، وبالتالي تركز على اللوحة التي تحقق حالات الدهشة والإقناع لدى الجمهور العام والخاص، والمفارقة السلبية تحدث حين نجد صالات تعرض لأسماء جديدة إمكانياتها متواضعة، وفي الوقت ذاته ترفض العرض لأسماء راسخة ساهمت وتساهم في رسم صورة التشكيل السوري على مدى أكثر من نصف قرن .
ولدينا صالات عرض خاصة، لا تختلف في شيء عن الصالات التجارية، التي كانت منتشرة في الشعلان ، فهي تعرض الأعمال المطلوبة في السوق الاستهلاكي، وهذا لا يمنعها من عرض تجارب حديثة لأسماء مخضرمة وشابة ، حتى أنها تحاول سد الثغرة الناجمة عن تحول معظم أماكن بيع اللوحات، إلى أعمال أخرى، نتيجة الضائقة الاقتصادية الخانقة ، التي لم تؤثر على حركة المعارض، الباحثة عن إيقاع فني جديد ومغاير يمس الأعماق ويترك في القلب فسحة إعجاب ودهشة.