الثورة – حسين روماني:
فيما تنطلق وكالة الأنباء الرسمية السورية بمرحلة جديدة تحت شعار “سانا.. نقطة تحول”، ينفتح الباب أمام نقاش واسع حول معنى الإعلام الرسمي في مرحلة ما بعد النظام البائد، وما الدور الذي يمكن أن يلعبه في بناء ثقة مفقودة مع الجمهور، فالوكالة التي ارتبط اسمها لعقود بالخطاب الدعائي، تقول اليوم إنها تعيد هيكلتها التحريرية، وتمنح صحافييها مساحات أوسع من الحرية، وتنفتح على التعاون مع وكالات عربية ودولية.
في هذا السياق، التقت صحيفة الثورة مدير التحرير في الوكالة ثائر البكور، للحديث عن ملامح المرحلة المقبلة، وما الذي يعنيه التحول من إعلامٍ مقيّد إلى إعلامٍ يسعى إلى أن يكون مرآة لحياة السوريين وتطلعاتهم.
توجه تحريري أكثر تخصصاً
في حديثه عن أبرز ملامح الانطلاقة، قال البكور: “تميزت الانطلاقة الجديدة لوكالة “سانا” بتوجه تحريري أكثر تخصصاً، إذ تم إنشاء شعب تحريرية تغطي مجالات متعددة، مثل: السياسة، الاقتصاد، الرياضة، الصحة، الثقافة، والمنوعات، إلى جانب القطاعات الخدمية، كما توسعت التغطية الإخبارية لتشمل التقارير الميدانية، القصص الإنسانية، والتحقيقات المحلية، مع اعتماد لغة تحريرية أكثر مرونة وقرباً من الجمهور، تهدف إلى تبسيط المصطلحات وتعزيز الفهم.
أما من حيث الشكل، فقد شهدت الهوية البصرية للوكالة تحديثاً شاملاً شمل الشعار والألوان، إلى جانب تصميم موقع إلكتروني عصري يتميز بسرعة التصفح وتفاعلية عالية، مع واجهة استخدام سهلة، كما تم تعزيز الحضور على منصات التواصل الاجتماعي، مما ساهم في توسيع نطاق الوصول إلى جمهور أوسع.. هذا التحوّل لا يقتصر على الشكل، بل يمتد إلى مضمون الأخبار وآليات إنتاجها، في محاولة لإضفاء مهنية أكبر وتخفيف اللغة الخشبية التي طبعت الإعلام الرسمي لعقود.
استعادة ثقة الجمهور
الثقة الشعبية تبقى التحدي الأهم أمام الإعلام الرسمي السوري، وهو ما يؤكده البكور، إذ تسعى “سانا” إلى استعادة ثقة الجمهور السوري من خلال تقديم محتوى مهني عالي الجودة، والرد على الشائعات، والانفتاح على مصادر متعددة، وتعتمد الوكالة على شبكة مراسلين ميدانيين منتشرين في مختلف الوزارات والمحافظات، لضمان الحصول على المعلومات من مصادرها الأصلية، مع التحقق من دقتها قبل النشر، كما خضعت فرق التحرير لدورات تدريبية متخصصة في التحقق من المعلومات، بهدف تعزيز المسؤولية الصحفية وترسيخ ثقافة الدقة والشفافية.
الحديث عن الثقة ليس رفاهية، بل هو محاولة لإعادة تعريف العلاقة بين الجمهور والإعلام الرسمي، فبعد سنوات من الانحياز، بات المطلوب اليوم خطاباً مهنياً يقنع الناس أن ما يُنشر ليس دعاية وإنما خدمة إخبارية جادة.
“الانحياز الوحيد لما يخدم الوطن” في مواجهة الاتهامات المستمرة بالانحياز، يوضح البكور: في “سانا”، الانحياز الوحيد هو لما يخدم الوطن، نحرص على تقديم تغطيات موضوعية ترتكز على الدقة والمسؤولية، مع عرض روايات متعددة للأحداث، خاصة في القضايا الاجتماعية والاقتصادية، ونسعى للانتقال من الإعلام الدعائي إلى الإعلام الخدمي، عبر محتوى يعكس الواقع ويلبي احتياجات المواطن.
هنا يظهر التغيير الجوهري، الانتقال من خطاب دعائي يوجّه المتلقي، إلى إعلام خدمي يحاول أن يرافق المواطن في تفاصيل حياته اليومية.
أهمية كبيرة للإعلام الرقمي
التحول الرقمي هو العنوان الأبرز في الانطلاقة الجديدة، فبحسب البكور، تولي “سانا” أهمية كبيرة للإعلام الرقمي، إذ أنشأت مديرية الإعلام الرقمي لتحويل المحتوى التقليدي إلى محتوى رقمي يتناسب مع طبيعة المنصات الحديثة وجمهور الإنترنت، تعتمد الوكالة قوالب متطورة للصور والفيديو تجمع بين الطابع الصحفي الكلاسيكي والأسلوب العصري، كما توسعت شبكة المراسلين داخل سوريا وخارجها.
وتتضمن خطة التحول الرقمي فتح مكاتب خارجية وتقديم المحتوى بعدة لغات، بهدف توسيع دائرة التأثير والوصول، وتطمح “سانا” إلى أن تكون في طليعة الوكالات العربية على المستوى الإقليمي خلال السنوات القادمة.. هذه الرؤية لا تكتفي بإنتاج الخبر التقليدي، بل تسعى إلى إعادة صياغته بما يلائم ثقافة الشاشة الصغيرة، حيث المنافسة الأشد على انتباه الجمهور.
التحقيق الاستقصائي جزء من التوجهات المستقبلية
من بين الخطوات اللافتة التي تضمنتها الانطلاقة الجديدة، ما كشفه البكور حول نية الوكالة إدراج التحقيق الاستقصائي ضمن عملها، التحقيق الاستقصائي يُعد من أشكال العمل الصحفي العميق الذي يهدف إلى كشف الحقائق، وتعتزم سانا إدراجه ضمن توجهاتها المستقبلية.
إدراج الصحافة الاستقصائية في مؤسسة إعلامية رسمية يشكل خطوة غير مألوفة، ويضعها أمام تحدي إثبات الجدية في التعامل مع قضايا حساسة ومعقدة.
لكن الطريق ليس سهلاً، فبحسب البكور، أهم التحديات تتمثل في ضعف الثقة الشعبية نتيجة سنوات من الانحياز، ما أثر على مصداقية الوكالة، إلى جانب ذلك، تواجه سانا تحديات تتعلق بنقص الموارد البشرية والتقنية، وتهالك بعض البنى التحتية الإعلامية، وهو ما يتطلب جهوداً مستمرة للتطوير والتحديث.
بهذا المعنى، فإن التحديات ليست فقط تقنية أو تنظيمية، بل هي أيضاً تراكمات سياسية ونفسية تحتاج إلى وقت وصبر لإعادة بناء الجسور مع الجمهور.
من شعار إلى ممارسة
الانطلاقة الجديدة لـ”سانا” تكشف عن رغبة جادة في تحويل الإعلام الرسمي إلى مؤسسة عصرية، تمتلك أدوات مهنية ورقمية، وتبحث عن حضور إقليمي ودولي، لكن النجاح الفعلي لن يقاس بما قيل في قاعة الافتتاح، بل بما يلمسه المواطن في تفاصيل يومه.. خبر دقيق، تغطية موضوعية، محتوى متجدد، ومساحة أوسع للصحافة العميقة.ص
قد تكون “نقطة التحول” بداية مسار طويل، لكن مجرد الحديث عن إعلام خدمي واستقصائي ورقمي في مؤسسة رسمية سورية، يعد بحد ذاته تحولاً لافتاً، المستقبل سيحكم ما إذا كان هذا التحول سيبقى شعاراً، أم سيصبح ممارسة يومية قادرة على إعادة تعريف دور الإعلام الرسمي في حياة السوريين.