الثورة – ترجمة ميساء وسوف:
تبدأ تناقضات تقريع الصين في الولايات المتحدة بعدد المرات التي يكون فيها هذا الأمر غير صحيح تماماً، فقد ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن بالون “التجسس الصيني” الذي أسقطه الرئيس جو بايدن بضجة وطنية هائلة في شباط 2023 لم ينقل في الواقع الصور أو أي شيء آخر إلى الصين.
يحاول الاقتصاديون في البيت الأبيض تبرير التضخم المستمر في الولايات المتحدة قائلين إنه مشكلة عالمية، وأن التضخم أسوأ في أماكن أخرى من العالم، وأن معدل التضخم في الصين 0.7٪ على أساس سنوي.
كما تؤكد وسائل الإعلام المالية كيف أن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي للصين أقل مما كان عليه من قبل، ولكن في الحقيقة أن نمو الناتج المحلي الإجمالي في الصين لعام 2023 سيكون من 5 إلى 5.5 في المائة، وفي الوقت نفسه، تتأرجح تقديرات معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة في عام 2023 بين 1 و 2 في المائة.
اشتدت حدة تقريع الصين وتحولت إلى إنكار وخداع للذات، وهو أقرب إلى التظاهر بأن الولايات المتحدة لم تخسر حروباُ في فيتنام وأفغانستان وغيرها. والآن، يتمتع تحالف البريكس ببصمة اقتصادية عالمية أكبر بكثير من مجموعة السبع، والصين تتفوق على بقية العالم في نفقات البحث والتطوير، إن الإمبراطورية الأمريكية ليست القوة العالمية المهيمنة كما كانت في السابق بعد الحرب العالمية الثانية، فقد تقلص اقتصادها في الحجم والقوة والتأثير إلى حد كبير منذ ذلك الحين.
أدى الإنكار وخداع الذات بشأن الاقتصاد العالمي المتغير إلى أخطاء إستراتيجية كبرى، فقد توقع قادة الولايات المتحدة قبل شباط 2022 وبعده بوقت قصير، عندما بدأت حرب أوكرانيا، على سبيل المثال، أن الاقتصاد الروسي سوف ينهار من آثار “أعظم العقوبات” بقيادة واشنطن، ولا يزال بعض قادة الولايات المتحدة يعتقدون أن الانهيار سيحدث على الرغم من عدم وجود مثل هذا المؤشر.
لقد أخطأت مثل هذه التنبؤات في تقدير القوة الاقتصادية وإمكانات حلفاء روسيا في دول البريكس بقيادة الصين والهند، فقد استجابت دول البريكس لاحتياجات روسيا من شراء النفط والغاز، في الوقت الذي جعلت فيه واشنطن حلفاءها الأوروبيين يوقفون شراء النفط والغاز الروسي كجزء من حرب العقوبات ضد الكرملين بسبب أوكرانيا.
ومع ذلك، فإن تكتيكات الضغط الأمريكية المستخدمة في الصين والهند والعديد من الدول الأخرى (داخل وخارج البريكس) لوقف شراء الصادرات الروسية قد فشل، فلم يشتروا النفط والغاز من روسيا فحسب، بل أعادوا أيضاً تصدير بعضه إلى الدول الأوروبية.
قد تخدع المناورات الحربية مع الحلفاء، والتهديدات من المسؤولين الأمريكيين، والسفن الحربية الأمريكية قبالة سواحل الصين، البعض لتخيل أن هذه التحركات تخيف الصين، والحقيقة هي أن التباين العسكري بين الصين والولايات المتحدة أصغر الآن مما كان عليه في تاريخ الصين الحديث، فالتحالفات العسكرية للصين هي الأقوى على الإطلاق.
قال مسؤولون أمريكيون: إن حروب الرئيس السابق دونالد ترامب الجمركية والتجارية كانت تهدف إلى إقناع الصين بتغيير نظامها الاقتصادي، هذا الهدف لم يتحقق، لأن واشنطن تفتقر ببساطة إلى القوة لفرض الأوامر.
أما في قطاع التكنولوجيا، فإن التحدي التكنولوجي للصين ينبع من جهد تعليمي ضخم ويعتمد عليه بناءً على تدريب علماء التكنولوجيا والهندسة والرياضيات، وهذا أكثر بكثير مما تفعله الولايات المتحدة.
إذا دفع تقريع الصين الولايات المتحدة وبكين إلى مزيد من التحرك ضد الشركات الأمريكية التي تستثمر في الصين وتتاجر معها، فقد يكون ذلك مكلفاً للغاية بالنسبة للاقتصاد الأمريكي.
في عام 1972 استأنف الرئيس آنذاك ريتشارد نيكسون العلاقات الدبلوماسية وغيرها مع بكين خلال رحلته إلى البلاد، فقد بدأ الرئيس الصيني السابق ماو تسي تونغ، ورئيس الوزراء تشو إن لاي، ونيكسون فترة من النمو الاقتصادي والتجارة والاستثمار والازدهار لكل من الصين والولايات المتحدة، ودفع نجاح تلك الفترة الصين إلى السعي لاستمرارها.
أما الآن يسعى القادة السياسيون الأمريكيون مثل ترامب وبايدن إلى تصوير الصين على أنها العدو الذي تمثل تنميته الاقتصادية تهديداً وبناءً على ذلك يشيطنون قيادتها، إلا أن غالبية الشركات الأمريكية العملاقة لا توافق، لقد استفادوا بشكل كبير من وصولهم إلى القوة العاملة الصينية والسوق الصيني المتنامي بسرعة منذ الثمانينيات.
المعركة داخل الولايات المتحدة تدور الآن حول أجزاء كبيرة من مجتمع الأعمال الأمريكي ضد بايدن ومستشاريه للسياسة الخارجية من “المحافظين الجدد” على حد سواء، تعتمد نتيجة تلك المعركة على الظروف الاقتصادية المحلية، والحملة الانتخابية الرئاسية، والتداعيات السياسية للحرب الأوكرانية، إضافة إلى التقلبات والمنعطفات المستمرة في العلاقات الصينية – الأمريكية.
كما تعتمد النتيجة أيضاً على كيفية فهم جماهير الشعبين الصيني والأمريكي للعلاقات بين هذين البلدين والتدخل فيها، هل سيرون من خلال تناقضات تقريع الصين لمنع الحرب، والسعي إلى التسوية المتبادلة، وبالتالي إعادة بناء نسخة جديدة من الرخاء المشترك الذي كان موجوداً قبل ترامب وبايدن؟
المصدر – أوراسيا ريفيو