عبقرية العمل

ما قصة تلك العربة الخشبية الطويلة ذات الدواليب المتباعدة الموجودة في الجانب الشمالي من باحة مسجد بني أمية الكبير بدمشق ؟

وما الرابط بينها وبين هذا المسجد الجامع؟

لطالما تساءلت عنها في سني حياتي المبكرة واعتقدت أنها عربة لجر المدافع أو المنجنيق لأعرف لاحقاً أنها اختراع عبقري يعود للعقد الأخير من القرن التاسع عشر يظهر عبقرية وقدرة السوري على الإبداع وإيجاد الحلول المناسبة لمشكلات كبيرة.!

ففي عام ١٨٩٣ تعرض الجامع الأموي لحريق كبير أتى على معظم أجزائه ولم يسلم منه إلا قسم بسيط في جانبه الغربي، الأمر الذي أوجب ترميمه، فعقد حسين ناظم باشا الوالي العثماني لدمشق حينها اجتماعات مع المختصين والخبراء والمهندسين لإقرار خطة عمل الترميم والتنفيذ العملي لها، وكانت أكبر المشكلات متمثلة في استجلاب الأعمدة الضخمة والصلبة القادرة على حمل السقف والجوائز والتي تناسب البناء وتتناسب مع مخططه الهندسي الدقيق.

وكانت تلك الأعمدة الصخرية متوفرة في قرية المزة جنوب غربي دمشق لكنها تفتقر لوجود آلية نقلها إلى موقع الجامع، فأشار المعماري عبد الرحمن الحموي إلى أنه قادر على تصنيع عربة خاصة يجرها ثوران قادرة على نقل تلك الأعمدة من المزة إلى مكان تركيبها، لكن عرضه وحديثه وشرحه لتلك العربة قوبل بالرفض والاستهزاء من الجميع، بمن فيهم الوالي نفسه، وأمام ثقته الكبيرة ورغبته في القيام بتلك المهمة أخبرهم أن الفكرة ليست له، وهو شاهدها وعمل فيها في إيطاليا وأن مصممها هو مهندس معماري إيطالي مشهور استطاع بواسطتها نقل مئات الأعمدة الضخمة من مكان إلى آخر.

وأمام هذا الواقع الجديد تم إيكال مهمة نقل تلك الأعمدة له، فبدأ بتصنيع تلك العربة التي ما زالت شاهداً على نبوغه وشجاعته في ذلك الجانب من الجامع الأموي، وتم بالفعل نقل الأعمدة الواحد تلو الآخر بتواتر دقيق لتشكل الركائز الأساسية في ترميم ذلك البناء التاريخي الذي بناه الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك وأنفق عليه خراج الدولة لسبع سنين، جاعلاً منه مفخرة للشام تترافق مع جوها العليل وخضرة غوطتها وصفاء مائها وجمال نسائها، لتستمر عمليات الترميم بعد مئة عام بعهد الرئيس حافظ الأسد وتأهيل القسم الغربي من الجامع الذي لم يتضرر قبل قرن كامل.

أما المعماري عبد الرحمن الحموي فقد صرح بعد الانتهاء من مهمته وتنفيذ عملية الترميم المطلوبة، بأنه لم يسافر إلى إيطاليا، ولا يعرف أياً من مهندسيها، لكنه ما كان له أن يقنع أصحاب القرار إلا بتلك الحجة القوية، باعتبارهم لا يقتنعون بمقدرات وإمكانيات شعبهم، ويعيشون عقدة الأجنبي المتقدم وصاحب الرؤية والمعرفة.

أما تلك العربة التي ما زلنا نقف عندها كل زيارة لنا للمسجد الأموي فهي الشاهد الآخر للذكاء والتنفيذ، ليبقى الحديث عنها منوطاً مناط التكليف بالقائمين على إدارة الجامع والأدلاء السياحيين بالتعريف بتلك العربة الخشبية وسبب تواجدها بعد قرابة المئة والثلاثين عاماً.

آخر الأخبار
سوريا تستقبل العالم بحدث مميز تفاقم الانتهاكات ضد الأطفال عام 2024 أكثرها في فلسطين جناح وزارة المالية ..رؤية جديدة نحو التحول الرقمي خطوط جديدة للصرف الصحي في اللاذقية  رغيف بجودة أفضل.. تأهيل الأفران والمطاحن في منبج معرض دمشق الدولي.. الاقتصاد في خدمة السياسة قافلة مساعدات إغاثية جديدة تدخل إلى السويداء "دمشق الدولي".. منصة لتشبيك العلاقات الاقتصادية مع العالم رفع العقوبات وتفعيل "سويفت ".. بوابة لانتعاش الاقتصاد وجذب الثقة والاستثمارات سوريا تستعد لحدث غير مسبوق في تاريخها.. والأوساط الإعلامية والسياسية تتابعه باهتمام شديد سوريا تحتفي بمنتجاتها وتعيد بناء اقتصادها الوطني القطاع الخاص على مساحة واسعة في "دمشق الدولي" مزارعو الخضار الباكورية في جبلة يستغيثون مسح ميداني لتقييم الخدمات الصحية في القنيطرة معرض دمشق الدولي.. انطلاقة وطنية بعد التحرير وتنظيم رقمي للدخول برنامج الأغذية العالمي: المساعدات المقدمة لغزة لا تزال "قطرة في محيط" "المعارض".. أحد أهم ملامح الترويج والعرض وإظهار قدرات الدولة العقول الذهبية الخارقة.. رحلة تنمية الذكاء وتعزيز الثقة للأطفال وصول أول باخرة من أميركا الجنوبية وأوروبا إلى مرفأ طرطوس شهرة واسعة..الراحة الحورانية.. تراث شعبي ونكهات ومكونات جديدة