الثورة- حسين صقر:
المولعون بالتسوق يدركون أكثر من غيرهم تقلبات السوق والأسعار، وحركة البيع والشراء وكيفية التوفير عبر ما يسمى المساومة أو المفاصلة على سعر القطعة أو السلعة أو أي شيء خاضع للتبادل التجاري.
ويقول أحدهم: إنني كنت برفقة صديق لي وهو من هؤلاء المولعين بالتجارة، لأنه يمارسها منذ طفولته، ويعرف أدق التفاصيل، بدءاً من عملية الشراء الأولى حتى وضعها في الخزائن والرفوف، حيث ذهبنا سوية لشراء بعض الحاجيات من السوق، وعندما طلب البائع ثمناً لها، وحين بادرت لدفعه ضغط على يدي، وقال لي: اتبعني وسأشتريها لك بنصف سعرها أو أكثر بقليل.
وتابع الشاب أنه لم يصدق ما سمع، لأنه حسب زعمه يعرف قيمتها في السوق، وأضاف: لكن تبعته، ومررنا على عدة محال، استطلع فيها الفوارق في أسعار السلعة، حتى وصلنا إلى أحدها، وأخذ يفاصل البائع في السعر حتى اشتراها منه بنصف ثمنها بالفعل، وأنا في حالة من الذهول، لأن البائع اكتشف حرفية الرجل، وقدرته على كشف حقيقة سعرها، والأرباح التي يجنيها التاجر منها.
ويقول آخر كنت أتردد على أحد المحال لأشتري منه ما أحتاج إليه، حتى حصلت بيني وبين صاحب ذلك المحل علاقة صداقة، وكان يبدي لي تعاطفه وتودده، ويُشعرني بأنه يكرمني بأسعار سلعه المميزة، ويقول لي دائماً بأنه يبيعها لي بسعر مخصوص، ولهذا لم أعد أفكر في البحث عن حاجتي عند غيره، إلى أن جاء يوم ولم أجد هذه المرة ما أريده عنده، واضطررت للبحث عن حاجتي عند غيره، وكانت المفاجأة أنني وجدت الأسعار أنقص بكثير مما كان يبيعني «صديقي» إياها، وصعقت أكثر عندما وجدت أحد المحال يبيعها بسعر يقل كثيراً عن سعر السلعة التي كانت قبل يوم واحد فقط متوافرة عنده، وهنا أصابتني الدهشة، وشعرت بالغبن، وقلة درايتي وخبرتي، وعرفت أن للتجار والباعة أساليبهم وطرقهم في إيهام الزبائن والإيقاع بهم.
من ناحيتها تقول هناء دعبول: لا أستطيع شراء أي سلعة إلا إذا فاصلت البائع، وأشعر أن عملية البيع كانت ناقصة، ولهذا أرغب بالمساومة حتى أشعر أن تلك السلعة باتت في قيمتها ولو بشكل تقريبي، وأضافت: إن زوجي لا يرافقني لأنه ينزعج من طريقتي في التسوق، بينما أشعر أن لي الحق في ذلك.
وقال حسن دهمان: بات البائعون يعرفون أن المستهلك لايشتري أي سلعة دون المساومة، ولهذا يزيدون أسعارهم بنسبة كبيرة، حتى لو تنازلوا بالسعر بقي هامش ربحهم مقبولاً وربما كبيراً، فهم لن يتنازلوا عن أرباحهم، ومالفرق بالأسعار إلا تفاوته بين تاجر وآخر، حيث يرضى منهم بربح قليل، بينما لايقبل غيره بذلك.
وفي هذا الإطار يقول التاجر سعيد الحلاوي: إن المفاصلة في البيع والشراء، أو ما يسمى «المماكسة» أو «المساومة»، سببه عدم ثبات الأسعار، حيث تذهب إلى السوق لتشتري حاجتك، وأنت تشعر بأنك سوف تدخل ميداناً للتذاكي والاستغفال، وهنا تدخل في صراع ذاتي وتقضي وقتاً ضائعاً تحاول فيه أن لا تقع في الغبن، وتقنع نفسك بسبب ارتباط مهنة البيع والشراء بأمزجة التجار، وأنا أحدهم، وبالتالي الدخول معهم في مفاوضات قاهرة وعسيرة، لعلّك تقتطع من أرباحهم شيئاً من المال الذي يريح أعصابك، ويجعلك تشعر بالراحة لصدق التعامل في الشراء، ويخلصك من الصراع النفسي الذي تشعر به عندما تدخل في جدال مع أحد البائعين، لكنك لا ترتاح أيضاً عندما ينزل التاجر في الثمن الذي يطلبه منك في بداية الأمر، وتشعر مرة أخرى بالخداع والمكر الذي انكشف لك لو كنت قد اشتريتها منه منذ الوهلة الأولى.
بينما قال المتسوق حمد الصوصاني: غالباً ما تصادفنا مواسم التخفيضات التي تعلنها بعض المحال، ونسمع عن كذبها وخديعتها، وهي في واقع الأمر إحدى الوسائل التي ينتهجها تجار اليوم للإيقاع بالمشترين، وقد تصادف أن اشتريت سلعة من أحد المحال، وعرفت بعد أسابيع أنه أعلن تخفيضات وهمية.
تبقى المفاصلة أو المساومة إحدى الطرق للتحايل على الوضع المعيشي، وعدم وجود سيولة كافية ببن أيدي الناس، ثم إن في موضوع عدم تحديد السعر النهائي وإعلانه، مسّاً بقيمة العدل، فقد يمتنع المشتري عن المساومة بسبب خجله، أو قلة خبرته، أو تعجّله وحاجته الماسة إلى السلعة.