عبد الحميد غانم:
النيجر تعد من أفقر دول العالم، لكنها البلد الذي يضيء شوارع باريس بينما يعيش أغلب سكانه في الظلام، وثرواتها تتنافس عليها القوى الأوروبية العظمى مثل فرنسا وبلجيكا وإنجلترا وألمانيا وإيطاليا والبرتغال، فالنيجر هي المورد الأول لليورانيوم إلى الاتحاد الأوروبي، مع 24٪ من وارداتها، لكنها تمثل أقل من 5٪ من الإنتاج العالمي.
وتعد رابع أغنى دولة في العالم من حيث احتياطيات اليورانيوم. تحتفظ الشركة النووية الفرنسية AREVA بالحق في معالجة موارد اليورانيوم في النيجر لأكثر من 50 عاماً، لهذا السبب، تولي كل من فرنسا والولايات المتحدة أهمية كبيرة للنيجر.
لذلك لا نستغرب ردة الفعل التي أثارها الانقلاب الذي حصل في النيجر أواخر الشهر الماضي من قلق بعض الدول الأوروبية وخاصة فرنسا التي سارعت إلى معارضة المجلس العسكري الذي تسلم حكم البلاد وعزل حليفها الرئيس محمد بازوم، وهددت فرنسا التي تحتفظ بـ 1500 جندي باستخدام القوة العسكرية ضد الانقلابيين.
إن تجربة الاستعمار الأوروبي والغربي بشكل عام لم تكن يوماً تجربة سعيدة في أفريقيا، وقد بنيت على أساس العنصرية والاستغلال ضد الشعوب التي استعمرت وسرقت خيرات بلادها. وعوملت أفريقيا أوروبيا وكأنها بلاد خالية من الحضارة. فكنوز الثروات، كانت وبالاً على النيجر ولم تكن نعمة كحال باقي الدول الأفريقية، التي عانت الويلات من وراء الأطماع الغربية الأوروبية بتلك الكنوز.
القلق الفرنسي والأوروبي على وجه العموم ليس على الديمقراطية في النيجر، وإنما القلق والخوف من ضياع وتهديد مصالحهما الخاصة في الهيمنة ونهب ثروات النيجر التي كانت فرنسا وأوروبا تحصل عليها من هذا البلد ومن عموم غرب أفريقيا وكل القارة السمراء وفق اتفاقات وضعها المستعمر الأوروبي القديم لدول أفريقيا بعد خروجه مدحوراً منها، بما يقيد الحكومات التي كان سبباً في تعيينها أو وضع النظام السياسي المرتبط بالاستعمار القديم، بما يبقي الدول الأفريقية في استعمار جديد يضمن من خلال اتفاقات تقيد الأنظمة الجديدة من أن تحافظ على مصالح أوروبا بشكل مستمر لاسيما في البلدان الأفريقية الغنية بالثروات النفطية والمعدنية والثروات النفيسة مثل اليورانيوم التي تمتلك النيجر نسبة مهمة وكبيرة من احتياطي العالم بهذه المادة الثمينة.
القلق الأوروبي والفرنسي خاصة، يكمن في انقلاب النيجر وما سبقه من انقلابات مالي وبوركينافاسو وغينيا، وما أبدته هذه الانقلابات من رفض التبعية الأفريقية للغرب الأوروبي الذي يستنزف ثروات الدول الأفريقية من أجل رفاهيته بينما تقبع الشعوب الأفريقية في حالة فقر وتخلف تسببها الدول الغنية الأوروبية التي كانت تستعمرها، ولا تزال في شكل الاستعمار الجديد بإبقاء على تبعية الدول الأفريقية لأوروبا.
والصحوة الأفريقية التي أظهرها انقلاب النيجر وقبله الانقلابات الأخرى في منطقة غرب أفريقيا، تلقى تأييداً شعبياً عارماً رافضاً للاستعمار الأوروبي الجديد وحالة التبعية الأفريقية لأوروبا.
كما تنبأ جان زيغلر (السياسي وعالم اجتماع سويسري)، منذ ما يقرب من نصف قرن، بحدوث ساعة حرائق إفريقيا قادمة أمام أعين الغرب الأوروبي.وأن هذا الأمر كما يشير زيغلر بأنه سيشعل المنطقة ، كما حصل في ستينات القرن الماضي حينما قامت ثورات الاستقلال الأفريقية من باماكو إلى كوناكري، عبر نيامي، واغادوغو التي أنهت الاستعمار القديم.
لذلك يمكن القول إن أفريقيا أمام مرحلة انعطافية جديدة لصنع تاريخها بجرأة الأمل لإنهاء التبعية الأفريقية التي عادت بالويلات على شعوب القارة السمراء جراء الهيمنة الأوروبية.
إنها مرحلة الانفصال عن الاستعمار الجديد وإنهاء التبعية والاستغلال، وهذا التحول المذهل من خلال الإجراءات الملموسة التي يمكن أن تجبر العواصم الأوروبية القديمة على مشاعر جديدة نحو أفريقيا، وأنه من الضروري تفكيك نظام الاستعمار الجديد بالبدء باستئصاله من الحياة اليومية لكل دولة في القارة الأفريقية.
فالانقلاب في النيجر وغيره من دول غرب أفريقيا أصبح وسيلة أكيدة للتخلص من ممثلي الاستعمار الجديد وأتباعه المحليين ، وأنه يعبر عن الإرادة الشعبية لرفض التبعية واستعادة السيطرة على بلدهم، دون أي تدخل خارجي.
وسيشكل ذلك نقطة تحول تاريخية في العلاقات الدولية ويضع الأسس للنظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب. بدلاً من امتلاك إمبراطوريات شرهة تدعي حكم العالم وفقاً لمصالحها الحصرية. وأفريقيا القوية من حيث المواد الخام، لابد أن تحجز لها مكاناً عادلاً في التعددية القطبية.
السابق