ريم صالح:
هي النيجر باتت اليوم مثاراً للقلق العالمي، فالانقلاب الذي جرى فيها قلب موازين القوى بشكل أو بآخر وباتت قوى الاستعمار القديم الجديد وفي مقدمتها الأمريكي والفرنسي تتلمس رأسها خوفاً على نفوذها وتقزمه أو تلاشيه في هذا البلد.
المؤكد هنا أن الانقلاب كان نتيجة تراكمات أدت إليه ولعل في مقدمتها الفقر المدقع الذي تعيش فيه البلاد إذ تحتل النيجر المرتبة الأخيرة في مؤشر التنمية البشرية (١٨٩ من ١٨٩) دولة وأكثر من نصف سكانها تحت خط الفقر مع نسبة ٥٠٪ من الأطفال في عمر التعليم غير مقيدين بالمدارس وذلك بسبب نهب الاستعمار لثرواتها الهائلة.
كما أن هناك تقارير تتحدث عن أن السبب وراء هذا الانقلاب العسكري هو وجود خلافات سياسية داخل الحكومة، حيث قرر الرئيس محمد بازوم إجراء تغييرات في الجيش النيجري، واستبدال رئيس أركان الجيش ورئيس الدرك الوطني في نيسان 2023 وقرر بازوم أيضًا إبعاد الجنرال تشياني من قيادة الحرس الرئاسي تدريجيًا، مما أدى إلى انقسام داخل الحرس ودفع ببعض أعضائه إلى الانقلاب ضده.
بالتوازي فإن هناك حقائق إذا علمناها لأدركنا خلفيات المشهد النيجيري برمتها حيث تفيد تقارير بوجود 3 قواعد فرنسية في النيجر تضم 1500 جندي على الأقل، عدا المواقع اللوجستية التي تُستخدم في التدريب.
أما القواعد الأميركية فقد أنشئت في 2016 بمنطقتي أغاديس ونيامي وفيها 1100 جندي وخبير. وهناك أيضا مركز لوجستي ألماني يضم قوات عسكرية أيضا. فضلا عن وجود قوات إيطالية وكندية تشترك في تدريب القوات الخاصة النيجرية.
كذلك فإن الثروات الهائلة التي يزخر بها النيجر تدفع تلك الدول إلى التهافت نحوه خاصة أن النيجر يملك معادن إستراتيجية لا تسمح فرنسا وحلفاؤها بأن تقع في أيدي منافسين دوليين أو محتملين.
فلدى النيجر كميات مهمة من اليورانيوم، وكان من المخطط أن تكون ثاني منتج له في العالم في 2014، كما يوجد الفحم وخام الحديد والقصدير والفوسفات والجبس والملح والنفط.
وبحسب تقارير إعلامية فإن النيجر مصدر ضروري لمحطات الطاقة النووية الفرنسية حيث أنها توفر ٧٠٪ من الكهرباء لفرنسا.
ووفق خبير فرنسي وآخر أميركي، تحدثا لموقع “سكاي نيوز عربية” فإن الولايات المتحدة وباريس تتخوفان من تعميق العلاقات الروسية النيجيرية على خلفية هذا الانقلاب لاسيما بعد خروج مئات النيجيرين وتجمعهم أمام الجمعية الوطنية في نيامي معبرين عن دعمهم للانقلاب ويحملون الأعلام الروسية ويرددون الشعارات المنددة بالامبريالية والوجود العسكري الفرنسي في البلاد ويطالبون أيضا بدخول روسيا إلى البلاد.
ووفق الخبير الأميركي بيتر آليكس فإن قلق واشنطن يرجع إلى أن النيجر حال نجاح الانقلاب ستصبح الدولة رقم 11 في سلسلة الدول الأفريقية التي تشهد علاقاتها مع موسكو طابعا متميزا.
المؤكد أن انقلاب النيجر لم يكن فاتحة للانقلابات في إفريقيا ولا يتوقع أن يكون آخرها فهذا الانقلاب هو سادس انقلاب في غرب إفريقيا خلال ثلاث سنوات، واحد في غينيا، واثنان في كل من بوركينا فاسو ومالي.
وتبقى كل الاحتمالات واردة حول تطورات الوضع النيجيري ووحدها الأيام القادمة كفيلة بحسم المشهد.