ديب علي حسن:
هو عصر السرعة بكل شيء في التطور العلمي والتقني وجمع الثروات والتقدم الإعلامي والبث الفضائي وغير ذلك كثير..
ولكن أسوأ ما في هذا الجنون الذي يبدو أنه غير منضبط هو السعي إلى الشهرة الزائفة التي يدعمها ضخ إعلامي لا يمكن وقفه، وتساعده نزعة إنسانية غريزية عند البعض في تحقيق الشهرة مهما كان الثمن.
البعض يفعل على ذلك من خلال ما يسمى الاستعراض الجسدي وتجارة العري كما في الكثير من المحطات ومواقع التواصل..
ولكن أخطر أنواع هذه الشهرة أن تحل العملة الزائفة محل العملة الجيدة في الفكر والأدب والحياة الاجتماعية..
بمعنى آخر أن تسود شخصيات هلامية وتتصدر الصف الأول يتحول سلوكها إلى عرف يقلده الناشئة.
وعن خطر هذا التلوث يقول الناقد العراقي جودت هوشيار: (لو قرأنا بتمعن السير الذاتية لكبار الكتّاب العالميين، لوجدنا أن أياً منهم لم يسعَ يوماً إلى الشهرة، عن طريق التفنن في تسويق نفسه وكتاباته، بأي شكل من الأشكال، بل إن بعضهم كان يمقت شهرته ولا يطيقها، لأنها أدت إلى تكاثر الطفيليين من حوله ومضايقته، وحرمانه من الهدوء الذي ينشده في حياته الإبداعية.
أما اليوم فإن أي كاتب متواضع الموهبة، ضئيل الشأن، يستميت في الحصول على الشهرة
عن طريق تسويق نفسه وأعماله الغرافومانية بطرق شتى: تنظيم حفلات توقيع كتبه، وحث أصدقائه لكتابة مقالات تمجيدية عن أعماله، وكسب ود منظمي اللقاءات في القنوات التلفزيونية والصخف والمحلات، والتودد إلى النقّاد من أعضاء لجان التحكيم للجوائز الأدبية (وما أكثرها هذه الأيام).
ولم يعد أحد يسأل عن القيمة الفكرية والفنية لأعمال هذا المتلهف إلى الشهرة ، لأن الكتاب أصبح سلعة عادية، غير روحية في السوق، يخضع إلى ما تخضع لها السلعة من فنون التسويق. وقد يحدث أحياناً أن يحوّل فن التسويق كتاباً تافهاً إلى علامة تجارية رائجة، وغالية الثمن. ولكن امتحان الزمن كفيل بفرز الأعمال الناضجة فكراً وفناً عن تلك التي لا قيمة لها).
إذن إنها حالة التسطيح التي تبدأ كما السم في العسل ومع ضجيج وصخب إعلامي يرافق هذا كله ليصل الأمر إلى تسطيح العقول ومسخها وربما هذا أخطر ألوان الحروب فمن يحتل عقل الآخر لا يمكن أن تخرجه بسهولة بل يحول العقل المحتل إلى مرتع خصب للإجرام ويمضي به إلى حيث يشاء.

السابق
التالي