عنوان هذه الزاوية إشكالي بامتياز، ومثير للسجال والحوار والجدل الحاد، وقد يثير ردود فعل متناقضة، وموجة عنيفة من الرفض، وخاصة من أنصار الموسيقار الكبير رياض السنباطي، الذي يعتبرونه رائد التجديد والأصالة الفنية، ويرفضون رفضاً قاطعاً أن يقال عنه إنه كان تابعاً لمحمد عبد الوهاب أو غيره، وعلى عكس ذلك هم يعتبرونه متبوعاً، وليس تابعاً، رغم أن النقد الموضوعي قد يثبت صحة عنوان هذه الزاوية، وأنا استعدت عنوانها من كتاب “السبعة الكبار” للمؤرخ الموسيقي فكتور سحاب، حيث نجد فيه فصلاً كاملاً تحت عنوان “السنباطي الوهابي” معتبراً أن رياض السنباطي من أعظم تلاميذ عبد الوهاب، وأضاف فكتور: “عندما نستمع إلى أغنياته مثل أشواق وفجر، نتذكر أسلوب عبد الوهاب في التلحين والغناء، كما أن أغنية سهران لوحدي للسنباطي، منقولة عن مونولوج بالليل يا روحي لعبد الوهاب، وتتوالى انتقاداته حتى يقول: بأن السنباطي استعار في مقدمة رباعيات الخيام لأم كلثوم، من عبد الوهاب سلم “الرست” الهابط إلى القرار، في أماكن كثيرة من الرباعية. وفي ثورة الشك لأم كلثوم أيضاً اقتبس السنباطي أغنية عبد الوهاب “يلي نويت تشغلني”. وفي قصيدة أين حبي لأم كلثوم أيضاً استفاد السنباطي من قصيدة الخطايا لعبد الوهاب. وأخذ السنباطي عن عبد الوهاب أيضاً اللوازم الموسيقية التي تبدأ متشابهة، ثم تنصرف إلى مقام المقطع الغنائي التالي. ولقد استخدم السنباطي الأشكال التي سبقه إليها عبد الوهاب، في كثير من ألحانه وأغانيه. إلى أن يقول: “إن تأثير عبد الوهاب في معاصريه، ومن جاء بعده امتد إلى الأشكال الموسيقية وأساليب الغناء”.
وحين أصدرت منظمة اليونيسكو الدولية في الثمانينات نشرة باقتباسات عبد الوهاب، نشر سليم سحاب مقالة في صحيفة السفير اللبنانية تحت عنوان: الفضيحة لليونيسكو وليس لعبد الوهاب، متهماً باخ وموزارت وبتهوفن بالسرقة، في سياق تبرير اقتباسات عبد الوهاب.
ويبرر فكتور سحاب لعبد الوهاب تأثره الواضح بالموسيقا الكلاسيكية العالمية، ويغوص في التحليل، وينتهي إلى القول بأنها اقتباسات مشروعة، وجاءت في مصلحة تطوير الموسيقا العربية، حين استطاع تحويلها إلى مقامات عربية، بأسلوبه الخاص، أي إنه أخضع الموسيقا الغربية للنغمة الشرقية وليس العكس.
موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، يعتبره كبار النقاد والموسيقيين، رائد التجديد في الموسيقا العربية الحديثة، رغم اقتباساته الذائعة الصيت، التي تظهر واَضحة أحياناً، وكان فريد الأطرش، قد أعطى حواراً في أواخر حياته نشر تحت عنوان: “عبد الوهاب ليس إله الموسيقا، وأنا لا أرضى أن تخاطبوني بالإله”. ويذكر أن محمد عبد الوهاب هو المطرب الوحيد في التاريخ الذي شيع بجنازة عسكرية مهيبة، وإذا افترضنا أن قول فكتور سحاب صحيح وموضوعي وبناء، فهو يستحق أن تكون جنازته عسكرية وفريدة من نوعها، رغم علمنا المسبق، أن كبار رموز الموسيقا الكلاسيكية العالمية، الذين أقتبس منهم، لم يشيّع ولا واحد منهم بجنازة عسكرية، وهنا تكمن المفارقة الصارخة.
