لم تكن تلك العبارات التي تحمل في مضمونها الكثير من العمق في المحتوى والمضمون لتعبر دون التوقف عندها ملياً وربما توثيقها في دفتر خاص لأعود إليها كلما عجزت الذاكرة عن استحضار بعضها، فتكون الشاهد اليقين الذي يسعفني في عرض فكرة أو دعم قضية.
وفي جولة سريعة في هذا المرجع الصغير استوقفتني عبارة لأحدهم تقول: “هناك عيون تتلقى النور، وهناك عيون أخرى تبعثه”.
وما أحوجنا اليوم لتلك العيون التي تبعث النور وتضيء دروب الحياة المقفرة وتنعش تلك القلوب التي أضنتها قسوة الحروب وتبعاتها وأدمت مآقيها مرارة الدمار والخراب.
ومن غير الأدباء والمثقفين يضطلع بهذه المهمة النبيلة في الوقوف إلى جانب المجتمع في محنته ويسهم في تسليط الضوء على قضاياه ومحاولة إيجاد الحلول ما أمكن للتخفيف من قسوة الظروف، فالأديب هو جزء من المجتمع يستطيع أن يستشرف المستقبل ويسعى للوقوف إلى جانب أبناء جلدته، سواء كان شاعراً أم روائياً أو مسرحياً، للنهوض بالمجتمع، وقبل هذا كله العمل على نشر الوعي المجتمعي وترسيخ مفهوم الهوية الوطنية والانتماء إلى كل ذرة تراب رويت بدماء الشهداء، فحق علينا الوفاء لدمائهم.
ولا يختلف اثنان أن الأدباء هم شركاء في بناء المجتمع عبر تناولهم لقضايا المجتمع وعلى منابرهم كافة وفي التوجه إلى فئات المجتمع وخصوصاً فئة الشباب وحتى الأطفال لتعزيز مفهوم الوطن والذود عن حياضه والوقوف إلى جانبه في محنته، فعلى عاتقهم تقع الكثير من المسؤوليات، وخصوصاً في مراحل الحروب والأزمات، ولكن الأهم تحصين المجتمع من غزو ثقافي يدس السم بالدسم عبر تقنيات التواصل الاجتماعي والفضاءات المفتوحة بهدف طمس هوية الشعوب والقضاء على تراثها وحضارتها.
والأديب لاشك يتمتع برؤية موضوعية يستطيع من خلالها تشكيل رؤى وقناعات تنهض بالمجتمع وتسير به نحو التقدم والازدهار.
ولطالما حاول الغزاة النيل من بلادنا، لكنهم في كل مرة يجرون ذيول الخيبة والهزيمة، فشعب أتقن العيش المشترك وأتقن فن التلاحم ومعنى الانتماء، لن تهزمه عاديات الزمن وتحدياته، ولن تنال منه صروف الدهر وأزماته.

السابق
التالي