الملحق الثقافي – حبيب الإبراهيم:
أن تكتب عن أديبة كبيرة مبدعة بحجم كوليت خوري، يعني أن تكتب عن الشعر بأبهى صوره، وعن الرواية بأدق تفاصيلها ،وعن الإنسانة بأرق وأنبل طباعها ..إنها الأديبة والروائية والباحثة والقاصة والإنسانة كوليت خوري..ومن الصعب عبر مقالة الإحاطة بكافة جوانب حياتها وسيرتها و إبداعاتها وإنجازاتها الأدبية .. وما نقدمه هنا وبمناسبة عيد ميلادها ما هو إلا تحية حب وعرفان لمسيرتها الأدبية والثقافية والإعلامية والحياتية، وإضاءة مختصرة على قامة أدبية سورية لها حضورها المميز في الحياة الثقافية والفكرية والوطنية في سورية والوطن العربي إن لم نقل العالم …..هي أديبة، باحثة من طراز رفيع، كرست الكثير مما كتبته في الأدب والصحافة دفاعاً عن المرأة وصوتها القوي ونصيرها الذي لا يرضخ أو يتراجع لحظة …حاولت عبر كتاباتها أن تشير وتنبه إلى مواقع الظلم الذي تتعرض له المرأة والنهوض بواقعها اجتماعياً وثقافياً… و جمعت في كتاباتها بين دفء الكلمة وقوة الموقف الذي استمدت أسسه و جذوره من جدها المفكر والسياسي الكبير فارس الخوري الذي خاض معركة الاستقلال بكل قوة وشجاعة وتمسك بالحقوق فخلده التاريخ في صفحاته الناصعة …وخلدته هي عندما نشرت كتاباً في جزئين بعنوان : «أوراق فارس الخوري» صدر الجزء الأول عام 1989، والجزء الثاني عام 1997.. كتبت كوليت خوري القصة والرواية والمسرحية والدراسة التاريخية والمقالة الصحفية، وقد أبدعت في جميعها وقدمت للقارىء والمكتبة العربية مؤلفات باللغة العربية والفرنسية، إلى جانب نقلها إلى الفرنسية الكثير من مؤلفات أدباء وشعراء كبار مثل : سليمان العيسى ، نزار قباني، ادونيس، علي الجندي و.. كما ترجمت من الفرنسية إلى العربية بلغتها وأسلوبها المتميز الكثير من القصص التي لاقت استحساناً كبيراً من القراء…. بدأت خوري الكتابة في سن مبكرة، وراحت تنشر قصائدها ووجدانياتها وخواطرها الذاتية في الصحف والمجلات التي كانت تصدر آنذاك، إلا أن أول مجموعة شعرية لها بالفرنسية كانت عام 1957 وهي بعنوان (عشرون عاماً ) وبعد عامين أي في عام 1959 أصدرت روايتها الأولى بالعربية بعنوان (أيام معه ) حيث جاءت الرواية لتطرح مواضيع جريئة مثل الحب، نبذ العادات القديمة، وجسدت خوري من خلال شخصيات الرواية موقف المرأة الرافض للخنوع والتبعية والصراخ في وجه الظلم، تابعت خوري إصداراتها المنوعة والتي جاءت ما بين القصة والرواية والدراسة والمسرحية، فأصدرت كتاب (رعشة) بالفرنسية 1960 ورواية (ليلة واحدة) 1961 ومجموعتها القصصية (أنا والمدى) 1962 وقصة (كيان )1968 و(دمشق بيتي الكبير) و(المرحلة المرة ) 1969 و (الكلمة الأنثى ) 1971 ومسرحية (أغلى جوهرة بالعالم) 1975 وقصة (دعوة إلى القنيطرة) عام 1976 ورواية (أيام مع الأيام) عام 1978 وقصة (الأيام المضيئة)عام 1984 ومجموعتها الشعرية (معك على هامش رواياتي) 1987 ومجموعة قصصية بعنوان (في الزوايا حكايا ) 2003 ومجموعة من القصص والمقالات بعنوان (سنوات الحب والحرب) 2006 والمجموعة القصصية (عبق المواعيد) 2008 هي مسيرة حافلة بالعطاء، تنوعت في أشكالها ومضامينها إلى جانب المقالات والدراسات والزوايا الصحفية التي نشرتها في جريدتي تشرين والبعث وطرحت من خلالها أفكارها ورؤاها وتحليلاتها ونظرتها الثاقبة لمختلف القضايا الفكرية والثقافية والادبية والسياسية والاجتماعية و…. شغلت خوري العديد من المهام خلال مسيرتها الطويلة، فقد انتخبت عضواً في مجلس الشعب لدورتين متتاليتين، وسفيرة لسورية في لبنان 2009 ومستشارة أدبية في رئاسة الجمهورية … درست خوري في مدرسة البيزانسون للراهبات، وتابعت دراستها الثانوية في المعهد الفرنسي العربي في دمشق، كما درست الحقوق في الجامعة اليسوعية في بيروت، تابعت تحصيلها العالي في جامعة القديس يوسف ببيروت، كما حصلت على الإجازة في اللغة الفرنسية وآدابها من جامعة دمشق وعملت فيما بعد أستاذة محاضرة في نفس القسم … هي مسيرة حافلة بالعطاء استطاعت خوري أن تثبت جدارتها في كل الميادين، وهي مثال عن المرأة السورية الوطنية والمثقفة والتي ترفض الظلم وتتمرد على كل ما هو بال فكان لها ما أرادت .. ويحق للأجيال الحالية أن تفخر وتعتز بهذه القامة وغيرها من القامات السورية في شتى مجالات الإبداع، فقد أغنت وأثرت الفكر وقدمت خلاصة ما أبدعته بكل ثقة واقتدار .. أمد ّ الله في عمر أديبتنا الكبيرة كوليت خوري ومنحها الصحة والعافية كي تبقى نبعاً لا ينضب من التميز والعطاء ….
العدد 1157 التاريخ:29-8-2023