الملحق الثقافي- محمد خالد الخضر:
الرواية ليست أمراًعادياً كما يتوقع المتطفلون على عالم الثقافة والراغبين بالظهور لأسباب مختلفة .. إذا عجزوا عن كتابة الشعر أو النقد يلقون بأنفسهم إلى عالم آخر يسمونه الرواية .. وفي حقيقة الأمر هذا الجنس الأدبي لا يختلف عن الشعر بوجوده المنهجي فهو يمتلك مكونات وأسساً صعبة .. يدخل مالكها التاريخ .. وعلى سبيل المثال رواية عبد الرحمن منيف العالمية لا يمكن أن تتكرر من حين انتقاء المضمون الاشكالي الذي يعالج مشاكل وهموم كثير من العرب بحالات مختلفة ،وليس العرب فقط بل تطرح الرواية هموم شرق المتوسط وتسلط المستعمر علية بأشكال مختلفة .. فالرواية مثيرة للعواطف تتحرك مجرياتها بشكل حاد وعاطفي ومتحول دون استطراد لتخص كلّ من تعرض إلى ظلم أو ألم في بلده .
ولا تقل عنها قيمة رواية أوراق الحاربي لعلي المزعل الروائي الذي وحّد هموم العرب وجعل قضية الجولان وفلسطين قضية مشتركة وطرح العادات والتقاليد والقيم والهموم والمشاكل التي لها أثراً كبيراًالآن في ضمير الشعب السوري والفلسطيني .. واستطاع ببراعته السردية أن يجمع بين مشاكل وهموم الأديب الخاصة وهمومه الوطنية التي يطرحها للتحريض من أجل التحرير وطرد المحتل .
ونظراً لقيمة العمل الروائي في وقتنا الحالي حرصت مكونات الموساد للتأثيرعلى الكتّاب والروائيين بشكل يورطهم وقد يكون بقصد أو دون قصد والأمر الغريبة في رواية ذاكرة الجسد العالمية والقوية جداً لأديبة أحلام مستغانمي وفي الصفحة 133 تذكر مستغانمي المطربة اليهودية سيمون تمار وهي تغني مرتدية الثوب الفلسطيني ثم تموت المطربة اليهودية متهمة بحبّ رجل عربي فيطلع في الرواية العربي رجل خسيس ليموت على يد الزوج اليهودي الشهم كما تريد مستغانمي .
كما امتثل الفنان خالد بطل الرواية إلى الطبيب اليهودي كابو تسكي الذي جاء ليعالج الجرحى وهو الذي طلب إلى خالد أن يرسم فقال له وفق تحولات الحدث السردي في الرواية ارسم وكرر هذه العبارة وفعلا رسم خالد لوحة (حنين) التي تختزل حكاية الجالية اليهودية والتطلعات المستقبلية لليهود . ولماذا استشهدت الروائية بشاغال وهو أيضاً فنان يهودي الذي كرم مراراً في تل أبيب .. أمور مريبة تجعلنا نقع بحيرة مؤلمة فالرواية تحمل أكثر من ذلك وعند كتب نزار قباني على غلافها لا يمكن أن يكون اطلع عليها .. والطريقة التي دعته بها أحلام مستغانمي جعلته يثق بها، وهو بالتأكيد يعرفها من قبل .. نزلت إلى المسبح وأعطته يكتب فقال : الرواية دوختني فهي تمثلني ولا أحد يجهل موقفه ومشاكله مع الكتاب العرب الذين اقتربوا من التطبيع .
ونقل الروائي محمد أحمد طاهر في كثير من روايته ما حدث في واقع الأمة العربية وما تعرضت إليه سورية من مؤامرات فمثل روايته قرن يرنو إلى الجليل وقمرعلى الفرات وغيرهما فكان الإرهابي والعميل ومن يغد ومن يخون في الشكل الحقيقي الذي أظهرته قدرة المؤلف على السرد وتكوين الحدث .
وجاء أور كليدون رواية الأديبة فلك حصرية لتقدم عرضاً للأحداث التي واجهتها سورية بأسلوب فني شائق متماسك ،وبلغة متوازنة حذرة تمتلك الموهبة والقدرة على الدخول إلى روح المتلقي .
وهكذا تبقى الرواية هماً كبيراً لمن يحاول أن يلغي ثقافتنا ،فقدمنا هنا حالات إيجابية وسلبية ليدرك المثقف أننا في واقع لخطير وللرواية كما لغيرها فهي سجل الواقع إلى المستقبل وتحريض الضميرعلى المواجهة .
العدد 1158 – 5-9-2023