دوامة المدى .. بين المتخيل والواقع

الملحق الثقافي- ديمه داوودي:
تذكرني رواية نها الرفاعي (دوامة المدى) برواية أثارت الجدل لـ ألن ادجار بو (قناع الموت الأحمر) وكذلك قصيدته (الغراب)، التي مازالت مثار جدل بين كونها قصيدة أم قصة طويلة أم رواية فهي تعد من أهم وأوائل الروايات الموغلة في القصر، إذ صدرت عام 1842 وربما لم يقع بين يدي رواية قصيرة بهذا الشكل عدا روايتين لـالطيب صالح موسم الهجرة إلى الشمال 110 وعرس الزين فيما يقل عن 100صفحة، وهنا يقع تصنيف هذه الرواية في الأدب مايُسمى أدب النوفيلا أي الرواية القصيرة،فعادة ما يلجأ الكاتب للكثير من السرد والاستعراض والإيضاح وهنا تسمى الرواية نوفيل. ورواية دوامة المدى استدعت هذا التوضيح كونها من الروايات العربية الأولى الموغلة في القصر رغم محاورها ومضامينها الكبيرة.
أما نها الرفاعي في دوامة المدى فهي تعتمد تقسيم الفصول وعنونتها فيما يخدم أفكار الرواية في اثني عشر فصلاً كما هي السنة اثنا عشر شهراً بفصول ومواسم أربعة، وبالفعل دوامة المدى تحاكي فصولاً أربعة لحياة ما، فأي حياة تستعرض وتسرد الكاتبة لنا في هذه الرواية؟.
لاتخلو كتابات الرفاعي جمعاء من حس مرهف مفعم بالإنسانية يصاحبك من الصفحات الأولى ليلهب مشاعرك وينبش مكنونات روحك، انطلاقاً من الإهداء الممزوج مابين الشخصي والعام لتخطو نحو تعريف مبسط لعلاقة الحب وشخصية الأديب بجنسيها، فبعض تعاريف الحب وبعض الملحوظات موزعة عبر الصفحات على لسان الكاتبة أو بلسان شخصياتها التي تتفلت من بين صفحاتها لترسم عالمها وسيرورتها وكما تريد وليس كما تخطط الكاتبة في البدايات .. ثم يباغتنا مطلع الرواية بافتتاحية للكاتب عباس محمود العقاد عن روايته سارة بالقول: (إذا ميّز الرجل المرأة بين جميع النساء فذلك هو الحب)
وهنا انطلقت نها الرفاعي من الشاغل الأساسي للبحث عن تعريف للحب فتارة هو العقاد وتارة ميلان كونديرا، ملحمة جلجامش، ونزار قباني لتأتي التعاريف ممتزجة بوجع أزمة سورية الحبيبة والتي تخطيناها رافعين رايات النصر.
وفق بناء بسيط للشخصيات وضعت الكاتبة أطر شخصياتها التي تماثل الكثير من العائلات،كرجل لا يفارق ورق الشدة وامرأة تعشق طاولة الزهر وهي بطلة الرواية وسيدة أخرى مطعونة بكيريائها لاتهامها بالخيانة وتعرضها للتنمر الدائم وأخرى تجد في صفحات مواقع التواصل الاجتماعي ملاذاً لها عبر خلق عالم ومحيط جديدين تحيط بهما ذاتها المتأذية أيضاً.
إلا أن الكاتبة تظهر تطوراً في الشخصيات لمواكبة العصر الحالي عبر عصرنة أدواته مثل (الموبايل، الإنترنت،مواقع التواصل الاجتماعي، جائحة كورونا) هذا ما يضع الكاتبة في تحد بين ماهية الرواية وتقنيات السرد والحبكة وبين ما يفرضه الواقع لتراهن بكلماتها على نجاح هذا العمل وإن كان سينضم لقافلة سابقيه من أعمالها الأدبية، فللكاتبة مجموعات قصصية أربع قد سبقت هذه الرواية.
وهنا لابد من ذكر التطور الحاصل عبر تحول الجملة من قصصية إلى جملة روائية من مفردات وتعبيرات وتراكيب وقصر وطول تتعمد الكاتبة الولوج عبره إلى أعماق القارىء ونبش مكنوناته عبرسخرية القدر أو نهايات غير متوقعة وغير مألوفة
كذلك من الجدير بالذكر عناية الكاتبة بتفاصيل الزمان والمكان إذ تحدثت عن أبنية مدمرة تكاد تهوي ربما يصبرها زيارة محبيها وساكنيها القدامى ماوضعنا مباشرة أمام مشهد تعرض له الكثيرون منا أو شاهدوه على القنوات المرئية في أقل تقدير.أي إن الكاتبة استوفت هنا شروط العمل محيطة بكل من اللغة والسرد والحبكة والشخصيات إضافة للزمان والمكان جاعلة منها خيوطاً لنسيج روايتها دوامة المدى فالجمل في شخصية (الصديقة المنكسرة) قصيرة مترددة تصدر عن بوح شخصي متألم، معبرة عنها بما يتناسب مع ضعفها وحضورها أما في شخصية الكاتبة أو الدكتورة في لعبة الزهر فجملها مستقيمة صحيحة واضحة ذات كلمات وتراكيب تحمل إشارات ومفاتيح لما ستؤول إليه الأحوال في الرواية وكذلك نجد بعض إجابات الزوج المعنف تدل عليه وعلى إحساسه بالتعالي.
أيضاً .. من اللافت عنونة الفصول واختيار المقدمة الخاصة بكل فصل بعناية لتفاجئ القارىء بالولوج فى فكرة أخرى تحمل العديد من التفرعات ماقد يربكه أحياناً.
فالشخصيات تتبدل وتغير مسارها فجأة لتمتزج مع معاناة الأزمة السورية وتعاصرها وخاصة فيما يتعلق بقاطني الريف ومن لهم منازل فيه إضافة لمنعكسات الأزمة ومحاولة الشخصيات جعلها محوراً ينعكس إيجاباً مع الألم الذي أغرقتنا به معاناتنا خلال الأزمة .. وذلك كان واضحاً عبر شخصية سارة التي تبدي انفتاحاً إنسانياً إيجابياً بالرغم من مأساتها بتغيير وضعها الاقتصادي والعائلي إلا أنها كانت تنسج خيوط الأمل لتوزعها على البقية بمن فيهم شخصية أختها المتبقية إلى جانبها من عائلتها وأخيها المفقود الذي لاتعرف شيئاً عنه، إضافة لبعض أسلوب النصح الذي تعبر يعبر الباب مواربة والذي تتعمده الكاتبة رفاعي مذ قرأت لها أولى مجموعاتها وحتى اليوم(وهو ما أعود لذكره أنها كالأم تعرف تماماً متى تجتذبك لتأتيك بالنصيحة المتفقة مع زمنك ووضعك أينما وكيفما كنت) ليبدو أن هذه إحدى حدود البصمة الخاصة بها أدبياً..
وبالتأكيد فالعصرنة التي تمتعت بها الرواية لم تمنعنا من الاستمتاع بأحداثها، فللرواية متكأ سياسي بسيط ينم عن سنوات عشر وأكثر حملت الأحداث عبرة وعبرات ووجعاً نهايته انتصار يخفف آلامه.
فلا يتحمل القارىء عبء مطالعة رواية ذات أحداث متشابكة وهنا روايتنا (دوامة المدى) بعنوانها الكبير المؤلف من كلمتين تختصر حيوات كثيرة تماثل الكثيرين من أحداث عامة وشخصية سياسية وأدبية وحتى ازدواجية تنتقل بينها حروف كاتبتنا نها الرفاعي برشاقة ليست بغريبة عليها إنما تضيف من النضج ما نتوقعه منها وربما أكثر…
ومن الجدير بالذكر أن كاتبتنا تطرح في روايتها عدة إشكاليات تمثل معاناة الكاتب العربي والسوري بالتحديد
وقد تندرج الرواية تحت بند الرواية الشخصية إلا أن الكاتبة هنا قد تشعبت بنا نحو عدد من الحكايا والقصص لتتفلت من هذا الإطار وتعيدنا إليه عبر رسالة نصية تصلها من شخصية الدكتور مازن (الحبيب المنتقى) إذ يفاجئنا بذكر اسم إحدى مجموعاتها القصصية الحقيقية (أجنحة الضباب) لتختم الرواية بجملة تختصر معاناة الشخصيات جمعاء لترك الباب مفتوحاً لمتخيل القارىء لإعادة النظر بسيرورة الشخصيات وقولبتها في اللحظة الأخيرة وسط أسئلة لا إجابة لها إلا ذات الختام في اختيارها:
(أنت قادر على اعتقال الوردة ولكنك، غير قادر على مصادرة عبيرها!).
                     

العدد 1158 –  5-9-2023    

آخر الأخبار
تفقد معبر العريضة بعد تعرضه لعدوان إسرائيلي الرئيس الأسد يصدر قانوناً بإحداث جامعة “اللاهوت المسيحي والدراسات الدينية والفلسفية” مرسوم بتحديد الـ 21 من كانون الأول القادم موعداً لإجراء انتخابات تشريعية لمقعد شاغر في دائرة دمشق الرئيس الأسد يصدر قانون إحداث وزارة “التربية والتعليم” تحل بدلاً من الوزارة المحدثة عام 1944 هل ثمة وجه لاستنجاد نتنياهو بـ "دريفوس"؟ القوات الروسية تدمر معقلاً أوكرانياً في دونيتسك وتسقط 39 مسيرة الاستخبارات الروسية: الأنغلوسكسونيون يدفعون كييف للإرهاب النووي ناريشكين: قاعدة التنف تحولت إلى مصنع لإنتاج المسلحين الخاضعين للغرب الصين رداً على تهديدات ترامب: لا يوجد رابح في الحروب التجارية "ذا انترسبت": يجب محاكمة الولايات المتحدة على جرائمها أفضل عرض سريري بمؤتمر الجمعية الأمريكية للقدم السكرية في لوس أنجلوس لمستشفى دمشق الوزير المنجد: قانون التجارة الداخلية نقطة الانطلاق لتعديل بقية القوانين 7455 طناً الأقطان المستلمة  في محلجي العاصي ومحردة هطولات مطرية متفرقة في أغلب المحافظات إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم السوداني يعلن النتائج الأولية للتعداد العام للسكان في العراق المتحدث باسم الجنائية الدولية: ضرورة تعاون الدول الأعضاء بشأن اعتقال نتنياهو وغالانت 16 قتيلاً جراء الفيضانات والانهيارات الأرضية في سومطرة الأندونيسية الدفاعات الجوية الروسية تسقط 23 مسيرة أوكرانية