بعد مضاعفة أسعار المحروقات ومواد البناء.. تراجع حركة البناء ورفع الإيجارات.. والأفق مفتوح على أزمات مركّبة
الثورة- إخلاص علي:
يبدو أنّ الزيادة الأخيرة لأسعار المحروقات أرخَت بثقلها هذه المرة على موضوع الإيجارات بشكل عام و تأمين السكن بشكل خاص أكثر من أي مرّة سابقة ، فرفع أجور النقل العام دفع بالكثير من المستأجرين في الضواحي وأطراف المدن للبحث عن شقق وغرف ولو بأسعار أعلى بمناطق قريبة من مركز المدينة، باعتبار أن تكلفة أجور التنقّل اليومي من مكان السكن إلى مواقع العمل أصبحت أعلى من كلفة استئجار غرفة في الضواحي البعيدة نسبياً.
ارتفاع تصاعدي..
عدا عن تفاقم أزمة توفّر وسائل النقل وقضاء ساعات طويلة بالانتظار على المواقف وفي الأحياء لركوب وسيلة نقل، حيث تشهد الإيجارات ارتفاعاً تصاعدياً خصوصاً في عدد من أحياء دمشق في حين تقلّ تدريجياً بحسب المنطقة.
وللوقوف على واقع الإيجارات والمتغيرات السريعة التي طرأت عليها خلال الفترة الأخيرة جالت ” الثورة ” على بعض الأحياء والمكاتب العقارية في دمشق وريفها.سعر جديد مع كل تجديد..
وحول هذا الموضوع أوضح أحد العاملين في مجال العقارات أن أجرة البيوت تختلف من حي إلى آخر فكل منطقة لها سعرها لكن القاسم المشترك هو الارتفاع بقيم الإيجارات، مشيراً إلى أن هناك أصحاب منازل يرفعون الإيجار مع كل تجديد عقد وأقل زيادة تكون ٢٠٠ ألف ليرة .
وتابع بالقول: إن الإيجارات في المناطق الراقية تصل من ٥ إلى ٨ ملايين ليرة للبيت كأحياء كفرسوسة والمزة فيلات ومشروع دمر في حين تقل في مناطق مثل مساكن برزة وضاحية قدسيا حيث تتراوح بين مليون ومليوني ليرة، وأما في المناطق العشوائية يصل أجار المنزل بين ٣٠٠ إلى ٥٠٠ ألف.
كما أشار خلال لقائنا معه أن سوق العقارات يعاني من حالة ركود في ظل ارتفاع أسعارها متأثّراً بقرارات رفع أسعار الإسمنت والحديد في وقت يزداد فيه العرض مقابل الطلب ،مضيفاً أن هذا الارتفاع رافقه جمود في عملية الاستثمار العقاري وبناء وحدات سكنية جديدة بسبب ارتفاع التكاليف .
إحدى الشبان الذين التقيناهم في جولتنا أخبرنا أنه استأجر منزلاً مؤخراً في منطقة عشوائية؛ إلا أن أجار المنزل يُعتبر مرتفعاً باعتبار أنه في منطقة غير منظّمة فهو يدفع بحسب ما أوضحه ل “الثورة” مبلغ ٤٠٠ ألف ليرة عن كل شهر وذلك في منطقة المزة ٨٦ حيث اضطر إلى دفع ٦ أشهر مقدّماً بناءً على طلب المكتب العقاري الذي أمّن له المنزل.
وأضاف أن المكاتب العقارية لعبت دوراً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي في رفع قيمة أجار البيوت السكنية إذ تتم عمليات التأجير من دون عقود رسمية بالاتفاق بين المالك والمستأجر ويتحكّم بقيمة العقد ومدته سماسرة مكاتب الأون لاين لتحقيق أعلى نسبة ربح .
جمود البناء ونشاط الإيجارات..
أما في بعض أحياء ريف دمشق ولاسيما الضواحي لايختلف الأمر عنه في دمشق حيث أكد عدد من أصحاب المكاتب العقارية مفضّلين عدم ذكر الأسماء أن سوق العقارات يشهد حركة قوية بالنسبة للإيجار في حين أن حركة البيع شبه جامدة بسبب نقص السيولة وتغيّر سعر الصرف ، كما توقّع البعض منهم استمرار ارتفاع أسعار الإيجارات مع تراجع حركة البناء بشكل كبير وعجز أصحاب الشقق غير الجاهزة عن إكساء شققهم المخصّصين بها ولذلك يلجأ البعض إلى المستأجر لإكمال الإكساء إذا كانت العملية في مراحل متقدّمة مقابل توقيع عقد لمدة أطول سنتين وأحيانا أكثر .
وأشار البعض من أصحاب المكاتب العقارية أن حركة الإيجارات مازالت نشطة لأن عدد كبير من المستأجرين في الضواحي هم من العاملين في الدولة و لديهم مبيت إلى هذه الضواحي وهذا الأمر ربما يكون خاص بالمدن الكبرى ولكنه في المحافظات المترامية الأطراف والمتباعدة المناطق، فالأمر يختلف لعدم وجود مبيت وظيفي يصل إلى المناطق البعيدة وبالتالي يجري البحث عن سكن قريب من مراكز المدن ولو بسعر أعلى .
ترك الوظيفة الخَيارٌ الوحيد..
عددٌ من الموظفين المستأجرين الذين التقيناهم أصبح أمام تحدّي البقاء في الوظيفة العامة باعتبار أن الدخل الشهري لايكفي لاستئجار منزل وبالتالي إما البقاء مع البحث عن عمل آخر في القطاع الخاص أو ترك العمل والعودة إلى الأرياف بالنسبة للمتعاقدين الذين لا تسمح القوانين بنقلهم خارج مؤسساتهم المعينين فيها .
يبقى أخيراً أن نقول: استمرار ارتفاع أسعار الإيجارات مع تراجع حركة البناء سيقود لأزمة سكن بخلفيّة اقتصادية واجتماعية مع تعقّد الوضع ليأخذ طابع الأزمة الحقيقية بكل الاتجاهات ولاسيما عزوف الشباب عن الزواج والبحث عن وجهة سفر خارجية .