في ضوء القمة السورية الصينية.. دمشق منحازة لمصالحها وحليف صادق لمن يحالفها

محمد شريف جيوسي ـ كاتب أردني:

اتخذت زيارة الرئيس بشار الأسد للصين ـ بناء لدعوة من الرئيس الصيني شي جينبينغ، وبرفقته وفد كبير وعقدهما لقاء قمة, ومحادثات استراتيجية أسفرت عن توقيع وثيقة تعاون استراتيجي وعدد من الاتقاقيات ـ أهمية خاصة واستثنائية؛ بناء لاعتبارات منها:
أنها تأتي في أعقاب نجاح الوساطة الصينية بين إيران والسعودية وما استتبعها من تداعيات وتحديات تبشر بوجود صيني فاعل في المنطقة العربية ومحيطها غير مسبوق.
وتأتي في أعقاب استعادة سورية لمقعدها في الجامعة العربية، وما يعنيه ذلك من تبدّل مهم في فهم الخليج لطبيعة علاقاته المستقبلية ليس فقط مع سورية، ولكن في مجمل علاقاته العربية والإقليمية والدولية.
كما تأتي في أعقاب رفض أوبك وروسيا زيادة المنتجات النفطية، خلافاً للمطالب والضغوط الأمريكية، وهي المرة الأولى التي يحدث فيها هذا بعد وقف تصدير النفط في حرب تشرين.
تزامنها مع توجهات أمريكية للبقاء في سورية وزيادة دعمها لمليشيا “قسد” الانفصالية، بل وتوجهها لدعم وجودها وتوسعها في مناطق احتلاها لأراضٍ سورية، وجهودها عبثاً لخلق فتن جديدة في مناطق أخرى من سورية.
وفي ظل انشغال روسيا في الحرب الخاصة بأوكرانيا، والدعم الأمريكي الأوروبي الغربي لها في جهد محموم لجعل روسيا تخسر الحرب، وسعيها لمزيد من إشغال روسيا في سورية لتخفيف الضغط الروسي على الجبهة الأوكرانية.
وتأتي أيضاً بعد شهرين تقريباً من تحرك سوري روسي مدروس للضغط على الجماعات الإرهابية في مناطق (خفض التصعيد) جراء عدم التزام تركيا وتنظيماتها هناك، واعتداءات تركيا المتكررة على المناطق المحررة، وكذلك الجهود السورية المبذولة لتنظيف البادية السورية من بقايا عصابات داعش، وتزامنها مع اشتداد المقاومة الشعبية في مناطق الجزيرة ضد قسد، وما يعنيه ذلك من تحدٍ ورفض للاحتلال العسكري الأمريكي.
كما نأتي مع استمرار أمريكا ومعسكرها في فرض الحصار والعقوبات على سورية بل والتشدد في استمرار فرضها، الأمر الذي يعني الاستمرار في سرقة ثروات سورية الأحفورية ومحاصيل أقماحها، كما يعني تجويع الشعب السوري، وتعطيل جهود إعادة الإعمار وإعاقة استعادة ألق التنمية والتطور الاقتصادي الذي كان سائداً قبل الحرب الإرهابية على سورية.
كل ما سبق يعني أن الصين بدعوتها للرئيس الأسد وتوقيع وثيقة تعاون استراتيجي مع دمشق، أنها حزمت أمرها، وقررت الدخول بقوة إلى المنطقة العربية، وفي المقدمة سورية بتوسيع قواعد التعاون التاريخي متعدد الأوجه والمجالات، إلى إقامة علاقات استراتيجية عميقة مع سورية، ترحب بها سورية لتلاقي المصالح وانسجامها مع التحولات السياسية والثقافية التي بدأت تسود العالم، وفي جملتها، الموقف الرافض لأحادية القطبية وضرورة الانتقال إلى عالم أكثر أمناً واستقراراً وعدلاً وتفاهماً.
وأتت الزيارة بعد تلاقي زعيمي روسيا الاتحادية وكوريا الديمقراطية، ما يستوجب تعزيز التوازنات الدولية بمواجهة التخريب الأمريكي الأوروبي الإسرائيلي.
فسورية والصين بهذه الزيارة التي تأتي بعد 19 عاماً من سابقتها، تتلاقيان في لحظة تاريخية أكثر من مناسِبة وضرورية، ينبغي اقتطافها وعدم تضييّعها، وهي بذلك أيضاً تأتي دعماً للدعم الروسي الإيراني لسورية, كما تأتي دعماً للتحولات الخليجية الإيجابية نحوها، وكمؤشر ينبغي أن يستوعبه العثماني التركي أردوغان، بأن لعبه على الجارتين روسيا وإيران مستغلاً رغبتيهما بعدم التصعيد لاعتبارات مفهومة، وتنططه على الحبال ودعمه المعلن المكتوم لأوكرانيا بمواجهة روسيا انسجاماً مع عضويته في حلف النيتو، لم يعد ليمرّ طويلاً، فالصين ليست محكومة باعتبارات غيرها وإذا كانت أمريكا الآيلة للسقوط، معنية بفتح جبهات على بكين في محيطها فإنها أي بكين معنية بقض مضاجع واشنطن في مناطق أخرى عديدة من العالم.
الدول ليست كما قلت مراراً جمعيات خيرية لتوزيع الإعانات، لكنها المصالح عندما تتساوق وتتلاقى؛ هي غيرها عندما تتضارب وتتعارض وتتناقض، فالصين ليست دولة استعمارية، إنما نهضت من الركام بجهود الأمة الصينية ودأب قياداتها، لم تحتل أي رقعة جغرافية، ولم تهدد مصالح أحد أو تعتدي على أحد، لكنها تدرك كيف تتلاقى المصالح وتتجذر التفاهمات.. كما أن سورية بشعبها وجيشها وقيادتها تُقبل مرتاحة لأجل إقامة علاقات استراتيجية مع الصين، تخدم مصالحها الآنية والمستقبلية، وتعزز من جهة علاقاتها مع حلفائها في موسكو وطهران وغيرهما من هذا العالم الواسع، وفي آن تقول للعالم إن دمشق ليست مقتصرة عليهما وليست في جيب أحد، إنما هي منحازة لمصالحها وحليف صادق لمن يحالفها.

آخر الأخبار
الشيباني يلتقي سفراء دول أوروبية وآسيوية وأميركية في دمشق اختطاف المتطوع في "الدفاع المدني" يهدد العمل الإنساني في السويداء  لجنة تقصي الحقائق بأحداث الساحل: عملنا بداية لتحقيق العدالة وإنصاف الضحايا وكشف الحقيقة  شبكة حقوقية توجه نداء استغاثة لفتح وصول إنساني شامل إلى السويداء ودعم المُشرَّدين قسرياً خدمات إنسانية وصحية في درعا لمهجّري السويداء  "سوريا الجديدة دولة و وطن".. حلقة نقاشية في جامعة دمشق هدى محيثاوي .. صوت الوطن من  سويداء القلب  نقاشات موسعة أهمها إنشاء مركز تحكيم تجاري ..  خارطة طريق لتطوير العمل التجاري بين القطاعين العام وا... رئيس المخابرات البريطانية السابق: الاستقرار في دمشق شرطٌ أساسي للسلام الإقليمي  "حرب الشائعات".. بين الفتنة ومسارات الخلاص أحمد عبد الرحمن: هدفها التحريض الطائفي وإثارة الفوضى تآكل الشواطئ يعقد أزمة المياه مشهد يومي من جرمانا.. يوحّد السوريين ويردّ على الشائعات بالتآخي  المحامي جواد خرزم لـ"الثورة": تطبيق العدالة الانتقالية يحتاج وعياً استثنائياً  إنهاء تعظيم الفرد والديكور السلطوي.. دمشق خالية من رموز الأسد المخلوع خلال 15 يوماً الصناعة تبحث عن "شرارة".. فهل تُشعلها القرارات؟ "أوتشا": نزوح أكثر من 93 ألف شخص جراء الأحداث في السويداء  ضماناً لحقوق الطلبة.. تصحيح أوراق امتحانات الثانوية العامة بدقة وشفافية  فيدان: أي محاولة لتقسيم سوريا ستعتبر تهديداً مباشراً لأمن تركيا القومي سوريا في مرمى التضليل الإعلامي استخلاص العبر في التطبيق والاستفادة من دروس الآخرين