الثورة – ناصر منذر:
نظرا لما يميزها لجهة التركيز على مبدأ المصير المشترك والاحترام المتبادل بين الشعوب والدول، ورؤيتها الثاقبة لجهة أن الإنسانية واحدة، فإن مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها الصين شكلت تحولاً استراتيجياً على مستوى العلاقات الدولية في العالم، إذ تعتمد على الشراكة والمصالح المشتركة عوضاً عن سياسات الهيمنة الأميركية والغربية، ولذلك تعتبر هذه المبادرة خطوة في غاية الأهمية لمواجهة الهيمنة الغربية، ومهمة أيضا لمستقبل شعوب العالم، وخاصة لبلدان غرب آسيا والشرق الأوسط والوطن العربي.
وتسعى الصين انطلاقا من هذه المبادرة لتعزيز حضورها القوي في العالم، وهي تعتمد على الأصدقاء، والمصالح المشتركة التي تؤدي إلى تحسن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والأمنية لدى كل الدول الموجودة في هذه المبادرة- وسورية جزء منها- إضافة لتعزيز الاستقرار والازدهار في العالم ككل.
سورية التي ترى في المبادرة حلا جذريا لمشكلة البشرية بما يخلق “إنسانية واحدة متساوية في الاحترام”، كانت قد وقعت مع الصين العام الماضي مذكرة تفاهم في إطار مبادرة (الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري في القرن الحادي والعشرين)، وبموجب هذه المذكرة، انضمت سورية إلى المبادرة، الأمر الذي يساعد على فتح آفاق واسعة من التعاون مع الصين وعدد من الدول الشريكة بالمبادرة في عدة مجالات تتضمن تبادل السلع والتكنولوجيا ورؤوس الأموال وتنشيط حركة الأفراد إضافة إلى التبادل الثقافي.
كما أن انضمام سورية إلى المبادرة يعزز التعاون بين سورية والصين بعدة مجالات منها تسهيل التبادل التجاري وإعادة إعمار البنى التحتية والطاقة الكهربائية والطاقة البديلة.
وهنا لا بد من التذكير بأنه سبق وأن ذكر اسم سورية في أحد بنود الاتفاق الاستراتيجي الصيني الإيراني طويل الأمد، الذي وقعه البلدان قبل عامين، وجوهر هذا الاتفاق يعتمد على التعاون المشترك لتطوير التنمية الاقتصادية في المنطقة ككل، فتحت بند “المشاركة الفعالة في الحزام والطريق – الممرات الإقليمية والدولية” الذي جاء في الاتفاق المذكور، ورد البند التالي: (التباحث حول تطوير بناء ممر السكة الحديدية لزيارة المقامات عن طريق باكستان وإيران والعراق وسورية والمشاريع ذات الصلة)، وفي مجال التعاون الإقليمي:( الاستثمار المشترك لبناء محطات إنتاج الكهرباء وخطوط النقل في باكستان وأفغانستان والعراق وسورية)، وفي مجال الصناعة والتعدين والتجارة:( تحديد مشروع صناعي أو خدمي مشترك في الدول الأخرى بهدف المشاركة في إعادة إعمار دول المنطقة بما في ذلك العراق وأفغانستان وسورية)، وهذا يشير إلى المكانة الحيوية والضرورية لسورية ضمن مبادرة الحزام والطريق نظرا لموقعها الاستراتيجي الذي يربط قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا، وهي تعتبر محور الطرف الغربي لطريق الحرير القديم.
سورية سبق لها وأن طرحت استراتيجية “التوجه نحو الشرق”، وهذه الاستراتيجية تتفق تماما مع مبادرة “الحزام والطريق” التي طرحتها الصين، والتي تؤكد ضرورة التنسيق والتواصل بين الدول لمواجهة الهيمنة الغربية، وغني عن القول أن سورية ترتبط بعلاقات تاريخية و استراتيجية مع الصين، وهي لا تزال تقف إلى جانبها في محاربة الإرهاب، وقد استخدمت عدة مرات حق النقض “الفيتو” في مجلس الأمن الدولي بوجه مشاريع الغرب الاستعمارية، وللتأكيد على ضرورة احترام حق الشعب السوري في تقرير مستقبله بيده، من دون أي تدخل خارجي.
غني عن القول، بأن سورية تحظى بمكانة مهمة في مبادرة الحزام والطريق، فهي دولة أساسية في طريق الحرير التاريخي، ولا شك أن محاربتها للإرهاب هو محط تقدير الشعب والقيادة الصينية وكل الشعوب المحبة للسلام، وسبق لسورية أن شاركت في أعمال القمة الدولية الثانية “الحزام والطريق” في بكين عام 2019، بدعوة رسمية من الصين، وهذه الدعوة شكلت تحديا مهما للعقوبات الأميركية، ومن المؤكد أن مستقبل العلاقات الاقتصادية والتجارية بين سورية والصين، والتعاون الثنائي المشترك، ستشهد المزيد من التطور في المرحلة القادمة، لاسيما في أعقاب زيارة السيد الرئيس بشار الأسد المهمة إلى الصين، والتي شكلت قفزة نوعية في تاريخ العلاقات بين البلدين الصديقين.
التالي