الثورة – فؤاد الوادي:
منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، ووقوع العالم بين أنياب الهيمنة والأحادية الأمريكية، برزت الحاجة إلى ضرورة وجود نظام دولي متعدد الأقطاب يحكم بموجب الشِرعية الدولية التي أقصتها الولايات المتحدة بعيداً أمام مخططاتها ومشاريعها الاستعمارية التي تحاول السيطرة على كل الدول والشعوب ونهب خيراتها وثرواتها.
لقد أدخل التوحش الأمريكي العالم في نفق مظلم لم يكن ليخرج منه لولا بقعة الضوء الصينية التي سرعان ما بدأت بالتوسع شيئاً فشيئاً، لتصبح قبساً تهتدي به الكثير من الدول التي طالتها ” الديمقراطية الأمريكية” التي حملت معها الموت والدمار والخراب أينما ذهبت وأينما حلت.
لقد حملت الصين على عاتقها راية التحرر والانعتاق العالمي من ربق السطوة والهيمنة الأمريكية ولكن من دون إراقة قطرة دم واحدة، فيما بات يعرف بـ”الحروب الناعمة”، أو “الحروب الاقتصادية” التي كانت حاضرة فيها الإرادة الصينية بالنصر بكل تفاصيلها ومراحلها ومنذ اللحظة الأولى وحتى اليوم.
لقد عملت الصين على بناء اقتصاد قوي سرعان ما تمدد في كل الاتجاهات، متجاوزاً كل العوامل والمسافات الزمنية والجغرافية، ومؤسساً لمرحلة جديدة من الحضور الاقتصادي التنافسي الذي راح يرسم معالم المشهد الدولي بشقيه الاقتصادي والسياسي، واضعاً العالم أمام خيارين، إما البقاء تحت التبعية والهيمنة الأمريكية، وإما التحرر منها والذهاب بخيارات المشاركة والتعاون والانفتاح الاقتصادي الذي يساهم في بناء اقتصاديات الدول ولا يهدمها، لاسيما الدول النامية والفقيرة.
من هنا بدأت المواجهة الاقتصادية تأخذ طريقها وتتبلور بشكل واضح بين الصين كدولة عظمى في تاريخها وحضارتها وشعبها وإرادتها، وبين الولايات المتحدة كدولة عظمى تحكم بالبطش واللصوصية والقوة، مع ملاحظة ما فعلته السياسات الأمريكية بكثير من الدول الشعوب ( أفغانستان –العراق – اليمن – سورية – ليبيا –إفريقيا ).
من أبرز الخطط والمبادرات التي قامت بها الصين لمواجهة المحاولات الأميركية الرامية إلى تطويقها ومحاصرتها، هي مبادرة ” الحزام والطريق” التي طرحتها بكين في العام 2013 كاستراتيجية نقلت المواجهة مع واشنطن إلى مرحلة جديدة من الضرب تحت الحزام من أجل إسقاط الهيمنة الأمريكية وإفهام الأخيرة أنه لم يعد بمقدورها الوقوف في وجه التنين، لاسيما وأن العالم بات مقتنعاً بضرورة وجود نظام عالمي متعدد الأقطاب.
لقد شكلت المبادرة صدمة لأمريكا والغرب معاً، لأنها تقوم وترتكز على التشارك والتعاون وتقاسم الفرص السوقية مع الدول الموقعة، وكذلك على تعزيز التعاون عالي الجودة، وتوسيع مجالات جديدة للنمو مثل التكنولوجيات العالية والجديدة”.
لقد فتحت معظم دول العالم أبوابها للدور والاقتصاد الصيني، خصوصاً الدول التي تركت فيها ” الديمقراطية الأمريكية” أوجاعاً ومأسي لا تنسى، حتى الدول الأوروبية لم تجد بداً من فتح أبوابها وجسورها الاقتصادية أمام الصيني الذي استطاع أن يغزو الأسواق الأوروبية بالبضائع والشركات الضخمة والنوعية.
وبالتوازي مع مبادرة ” الحزام والطريق “، شرعت الصين في إنشاء نظام للأمن الجماعي العالمي وهي “منظمة شنغهاي للتعاون”، وهي حلف عسكري يضم كلًا من روسيا وكازاخستان وباكستان والهند وقيرغيزستان وأوزباكستان وطاجكيستان، وكان ذلك مصحوباً بتطوير قدراتها العسكرية في كل المجالات والأصعدة.
بوضوح شديد، واختصار أشد فإنه إذا استمرت الصين بهذه الديناميكة العالية في المواجهة مع الولايات المتحدة التي تواصل سياسة الاستفزاز والضغط والتطويق فإنها أي الصين سوف تصبح القوة الاقتصادية الأولى في العالم بحلول 2025، والتي من شأنها أن تغير مع حلفائها وأصدقائها قواعد اللعبة، وأن تنقل العالم إلى نظام تعددي تسوده العدالة وتحكمه القوانين الدولية.