محمد شريف جيوسي ـ كاتب أردني:
هل العلاقات الإستراتيجية بين الدول تحمل دائماً انعكاسات إيجابية على مصالح شعوبها وأمنها واستقرارها وتنميتها وسيادتها، كالعلاقات الإستراتيجية التي تقام بين دول الـ 7 الكبار الإمبريالية (أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان وكندا)، وبين دول أخرى تابعة في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، كما الانعكاسات الإيجابية التي تحققها علاقات إستراتيجية بين دول كبرى خارج المعسكر الإمبريالي أو النيتوي او الغربي، كـروسيا والصين، وبين دول تمتلك سيادتها وقرارها المستقل، كـسورية وفنزويلا وكوريا الديمقراطية وإيران وغيرها.
هل العلاقات الإستراتيجية بين دولة إمبريالية أو نيتوية أو غربية، وبين دولة من دول العالم الثالث التابعة أو مع بعض دول أوروبا الشرقية، تتوفر على مصالح شعوبها في السيادة والتنمية والأمن والاستقرار.. الخ، أم هي عبارة عن أشكال جديدة من الاستعمار الظاهر والباطن، تحت مسمى شراكة إستراتيجية، فيما هي شراكة تحقق مصالح الدولة الإمبريالية، وتلحق الدولة التابعة من بعض دول العالم الثالث أو الأوروبية الشرقية؛ أكثر بعجلة الإمبريالية، اقتصاداً وثروات وأسواقاً ومفاهيم اجتماعية كالمثلية.
هل يجوز اعتبار العلاقات بين دولة إمبريالية أو نيتوية (مع العلم أن بعض الدول النيتوية أصبحت كذلك قسراً) وبين أخرى دولة (صغيرة)، أو غير ممسكة تماماً بقرارها السيادي ـ تماثل العلاقات الإستراتيجية بين دولة كبيرة غير إمبريالية كروسيا والصين وجنوب إفريقيا مثلاً، بنت اقتصاداتها بعرق شعوبها وحكمة قياداتها، ولم تستعمر شعوباً أو أمما أخرى، أو تشن حروباً استعمارية ولم تروج لسلوكيات مريضة وتفكيكية لمجتمعاتها والمجتمعات الأخرى، ولم تقدم خدماتها وثرواتها وثروات الآخرين لخدمة الإمبريالية سواء طوعاً أو كراهية.
بالعكس عملت هذه الدول (خارج المنظومة الإمبريالية) وأمثالها على التحرر من ربقة الإمبريالية، وتعمل على الخلاص من نظام وحدانية القطبية الإمبريالي الاستعماري غير العادل، الذي كلف ويكلف العالم مزيداً من الدمار والخراب والحروب وعدم الاستقرار والنهب والويلات، والسلوكيات غير السوية و خراب البيئة الطبيعية.
إن العلاقات الإستراتيجية بين دولٍ إمبريالية وأخرى تابعة، كرّس وخلّق شرائح حاكمة فاسدة لدى تلك الدول المفروضة عليها تلك العلاقات، مقابل رِشى قدمتها الدول الإمبريالية لها، لقبول شراكات غير عادلة لاتحقق مصالح الدول التابعة المعقودة معها الاتفاقات المسماة خداعاً “إستراتيجية”، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل ولرفض إقامة علاقات متوازنة مع دول أخرى خارج المعادلة الإمبريالية النيتوية.
وعندما لا تجد الدول الإمبريالية وفي المقدمة منها الولايات المتحدة، شرائح فاسدة أو يمكن إفسادها، فإنها تفرض إن استطاعت تلك الاتفاقيات بالقوة العسكرية وتدبير الانقلابات والثورات (الليلكية) أو زرع الفتن لإنتاج شرائح حاكمة فاسدة جديدة.
وبذلك ترتبط مصالح شرائح عليا حاكمة في الدول التابعة، بمصالح الإمبريالية، جذرياً، مكرسة الفساد العام، بحيث يتمتع الفساد بتقاليد راسخة يصعب الخلاص منها مع استمرار الأنظمة الحاكمة العميلة.
ومن جملة أساليب الولايات المتحدة الأمريكية ومن معها، فرض الحصارات واستيلاد الإرهاب وجماعاته وشن الحروب الجيوفيزيائية والأوبئة، لتخليق شرائح فاسدة خارج الحكم، في نطاق حروبها على الدول التي لا يمكن النفاد إليها بكل ما سبق من وسائل فرض التبعية عليها، مهمتها التضييق المعيشي على الناس وخلق حالة من التذمر العام للانقلاب على حكوماتها الوطنية وتقديم التنازلات التي لم ينجحوا في فرضها بالحرب وغيرها.
لكن الاتفاقات الإستراتيجية التي تعقدها الدول غير التابعة المتمتعة بقرارها السيادي رغم كل الحروب والحصارات والفتن والمؤامرات، مع دولة كبيرة كالصين، لاتستولد شرائح فاسدة، ولا تتعامل مع شرائح فاسدة قائمة من قبل سواء منها من هو داخل الحكم أو خارجه (..) ذلك إنها تعتبر نجاح اتفاقياتها الإستراتيجية يتصل بشكل رئيس بالنزاهة والشفافية والجدوى الحقيقية المرتبطة بتوفر البلدان التي تعقد معها الاتفاقيات على التنمية مشهودة واضحة تنعكس إيجابياً على حياة الناس، وحيث إن الصين كأي دولة، ليست جمعية خيرية ولها مصالح لكنها مصالح ترتبط بنجاح مشاريعها في البلدان المعقودة معها اتفاقيات استراتيجية، وليس ببقاء الحال على حاله بل محدثة نقلات مهمة في حياة شعوب الدول المعقودة معها تلك الاتفاقيات على طريق تقدم متصل طويل.
ومن هنا تضمحل شرائح الفساد الموضوعي (خارج الأنظمة) وتتلاشى، حيث تفتقد مبررات فرض وجودها، لكنها قبل ذلك ستخوض حرب شائعات وتضليل شرسة مشككة، بجدوى الاتفاقات الإستراتيجية مع الصين وبأنها لاتختلف في أطماعها عن الولايات المتحدة وفريقها، فيما لم تكن لتقول قبل الاتفاق أن للولايات المتحدة أطماعا في المنطقة، فهي مستفيدة من حالة الخراب، الذي بمجرد انتهائه أو ببدء ظهور بشائره، ينتهي الفساد والفاسدون.
ستفشل حرب التشكيك والتضليل، لكن هذه الشرائح الفاسدة ستحاول بامتداداتها وبما غرست من فاسدين التنفيذ لكنها ستفشل أيضاً، بفضل وعي الشعب الذي خبر جيداً كل أشكال الحرب والتآمر وبفضل تضافر الجيوش الوطنية وحكمة قياداتها التي صمدت في أشد الظروف ولم تسقط وقدمت دروسا في الوطنية.
أقول بكلمات، سورية المحاصرة بحصارات متعددة، مقبلة حتماً على مرحلة جديدة كلياً لصالح شعبها، وهي مرحلة ستنعكس إيجابياً على حالات مماثلة في المنطقة العربية والعالم.