الملحق الثقافي- رجاء شعبان:
الإبداع الرائج الآن هو تسخيف الإبداع والتغطية عليه أو محاولة محقه برشّ التسطيح فيه وإدخال العناصر عديمة القيمة وتفييشها وتسويقها على حسابه!؟، فهل الإبداع مجرّد عن ذلك ومحصّن من اختراقه؟ أبداً…! غداً الإبداع كأيّة سلعة يُتاجر بها طالما حُرف جوهره وحُسر عن معرفة آليته ومساره والغاية والأساس من وجوده ! فما هي الغاية منه؟ الغاية الأسمى له اختراق العادة والمألوف والخروج عنهما مع ابتداع منهما شيئاً جديداً جميلاً خارقاً للتقليدي المعتاد والنظر دون الخروج عن القواعد والأصول…. ماذا يحصل الآن؟ تشويه كامل… وإفراغ محتوى مع الاحتفاظ بالقشر والغطاء بقصد الوصول والنيل والإيقاع في محتوى فارغ يُلهي عن الجدّ والحقيقة والأصول، وهذا ينطبق على أيّ عمل وفي أيّ مجال، رغم أنّ حديثنا اليوم عن الإبداع في المجالات الأدبية والفنّية، فهل الإبداع بمنأى عن تحولّه لصناعة وتجارة وزيف! طبعاً لا… في زمننا هذا غدا الرائج والدارج هو الإبداع الكاذب والذكاء المصطنع وكلمة المصطنع من الصناعة والصناعة لم تعد تقتصر على الصناعة المهنية واليدوية أو الآلية الخدمية بل غدت صناعة الفكرة والمعلومة بهدف ما وينطلي تحت كلمة هدف منظومات كاملة ذات أهداف استراتيجية وتكتيكية عبر أساليب شتّى هدفها هدم الإبداع الحقيقي والاستعاضة عنه بمعروض يريده الطرف الآخر أو جهة ما أياً كانت عبر أدواتها ووسائلها في الفن والكلمة طالما هما لغة الإنسان العامة… فما حالة الإبداع اليوم؟ نهر جارف لكن دون هويّة حقيقية، فالإبداع بحدّ ذاته هويّة ولكل نوع هويّته الخاصة كالموسيقى والشعر والأدب والفن والرسم وسواها… لكن طالما دخل سوق المعلومات أو السوق التجارية فقد غدا سلعة قابلة للتغيير والمساومة واللعب بالتسعير والسعر والتخمين والتثمين والمعنى والمضمون والمواصفات… لن ندخل في حيثيات الفكر كثيراً ونشرح الفكر العام كيف يندرج وبماذا يفكر لكن هنا سنجيب عن سؤال كيف حال الإبداع الآن؟ وحال الإبداع كحالنا جميعاً مازال حيّاً لكن تتحكّم به الظروف ويغدو مترهّلاً تعباً من مواجهة تسونومات العصر الخارق المتعدد الأهداف والذي يغدو بلحظة بلا هدف حقيقي إلا إثارة الفوضى والضجيج واللعب بالعقول ومباراة لعرض السخف والعضلات المحقونة بالسيليكون الصناعي الهادم للطاقة الحقيقية، ربّما يبد هذا كلام متشائم ورأي مستطير لكن للحقيقة بزمن يحكمه المال وتحكمه الحكومات العالمية والمخفيّة أيضاً لن ترى إلا اللعب بالرؤوس والضمائر المبتورة المتطايرة المذبوحة والمعلقة والمباحة والمستباحة للبيع والشراء وصولاً للجريمة والقتل، فهل كان منذ القدم الإبداع يوجد بكرامة أكثر؟ نعم… لأنّه كانت النوايا أقلّ سوءاً لكن مع تطوّر الحاجة للرفاهية وعيشها لفترات ولو رفاهية معنوية عدا عن المادية ثم السقوط الذريع بالحاجة والفاقة لابد من خلل شنيع ووقوع في الهاوية وحتى محاولة الخروج منها سيدفعنا غالياً من صحتنا ومحاولة استرداد كرامتنا وإبداعنا المذبوح المباع. فمع عصر النت والسرعة المتطايرة لأجل لاشيء إلا السرعة ذاتها للأسف:»صار للدبّانة دكّانة وتفتح بعد الظهر» .. وصار بائع الفول مبدع بالشعر وبائع الأحذية مشرف على لجان التحكيم وغدا المثقف الحقيقي المتسّول عقلاً يقتنع به مريض اقناع وهلوسة أنه حياً مازال بخير وهو لم يعد بخير… في زمن الرقميات تحولنا لأرقام غوغائية تضارب بعضها بعض دون معادلات منطقية ومنظومات رقمية حقيقية منظمة بهدف ودقة إلا لحلً المشاكل بابتداعها دون إيجاد حل لها .. بزمن الفوضى يا سيدي الإنسان لا تتوقع أن يبقى الإبداع بخير… ولا شيء بخير… فزلزال انقلاب المعاني والمباني لن يترك حجر على حجر ولا ذاكرة ولا أرشيف ولا إنسان يفك شيفرات ماكان من حضارات منقرضة لم تكن على زمانه لكن بقي منها بعض الرموز التي ليست كافية ليعرف تفاصيل ماحدث… يعرف فقط أنه من هنا ربّما مرّ إنسان وعاش وانقرض ولكن كيف ولماذا لا أحد يعلم…
العدد 1161 – 3-10-2023