الملحق الثقافي- محمد خالد الخضر:
السّجع شكل أدبي تسرب إلى الأدب العربي في فترة بداية العصر الأندلسي، أو تفشى كثيراً لحظة بداية المتغيرات التي راح الشعر يعاني منها من جراء المؤامرات المدروسة على اللغة العربية التي بدأت آنذاك، وبانتشار الانقسامات الاجتماعية بأنواعها.
بدأ يتسرب هذا الشكل الأدبي الضعيف وهو عبارة عن رصف للكلمات ينتهي بحرف روي واحد ما يسمى بـ»المقفى»، وهذا سبقته الموشحات التي كانت توازي في عصرنا الآن الغناء، وبدأ بعض الكتاب يكتبونها في حال استعصت عليهم كتابة القصيدة الحقيقية.. ثم انهزم العرب في معركة الأندلس أخيراً، وخرجوا منها بعد معرفة الضعفاء منهم في الميدان الثقافي بآخر الانهيارات الشعرية.. وبدأ عصر جديد للشعر دافع فيه الموهوبون عن كرامة شعرهم، والتغت كتابة الموشحات التي تحاول المنظمات الدولية المشبوهة تشجيعها الآن لإلغاء الهوية والانتماء.. وعادت القصيدة إلى الصدارة على يد أحمد شوقي وعمر أبو ريشة وابراهيم طوقان ثم بدأت السلسة تتواصل.. ولكن عادت المؤامرات التي يقودها الموساد والشعوبية والليبرالية الحديثة إلى العمل على تهشيم صورة الشعر بحجة الحداثة وبرغم فقدان الشعبية الكبيرة بسبب النثر الذي لا يقترب من الحالة الشعبية.
وجد المتآمرون أن سيطرة السجع على الحالة الإعلامية في الثقافة يلغي كثيراً من مقومات اللغة العربية التي كان الشعر ديوانها وناقل تحولاتها بعاطفة وصدق ووجودان.
وصارت الأمور في وجود الحرب الإرهابية وأثرها على الحالة النفسية للقاعدة الشعبية أكثر سهولة وإن كانت المواهب الحقيقية موجودة.. لقد أصبح الوصول إلى المنبر سهلاً، وصار الشعر غالباً وراء الستار، وأصبح يتقدم كتاب السجع، ولاسيما النساء اللواتي يلقين تشجيعاً من النقاد المراهقين أو أصحاب الغايات المدسوسين منهم وأصبحن في المقدمة وفي مسارات الأنشطة وتكاد تمرر في كل نشاط حالة غالباً.. وأصبحت الحالة شبه مستعصية فقد يتلقى أي معترض حرباً كبيرة على أنه ضد المرأة أو قد تروج حالات أخرى.. وما يهدد الشعر أصبحت صديقات لنقاد على مستوى الحضور الإعلامي والمؤسساتي، وثمة خطر أكبر وهو أن بعض المؤسسات أصبحت تقدم الأطفال على أنهم شعراء من خلال السجع وسيكبر هؤلاء ويظنون أن السجع هو الشعر وخاصة إذا كان هناك تكريمات أو تشجيعات إعلامية، وهذا أخطر ما يهد الانتماء والهوية ويساهم في دعم الليبرالية الحديثة التي أعلنت سورية الحرب عليها من فترة.
وعندما شرحت لبعض الوسائل الإعلامية خطورة السجع أشار بعض من يتقاضون المقابل إلى بعض السجاعين فحوربت كثيراً، ولكن الهوية شرف والانتماء شرف من يفقد واحدة منهما يفقد شرفه، وكنت قد استشهدت يوماً بالمرأة التي قدمتها جمعية خاصة على منبر أحد المراكز في العام الماضي عندما رفعت بيديها كتبها الأربعة ثم بدأت بقراءة نصها بعد أن قدمتها القائمة على الجامعة وقالت:
أنا لا أفكر بيوم الخميس
وأنا لا أقوم بعل خسيس
وبعد أن انتهت من النص السجعي المتعثر بكل شيء.. انطلقت موجة تصفيق كبيرة.. مما يدل على تراجع الحالة الثقافية جداً وأن الحضور لا يعلم أن هذا رصف كلام فارغ لا قيمة له ولا وزن ويستطيع أن طفل صغير أن يرتجل أفضل منه، فالشعر ياناس هو مكون علمي فيه صور وموسيقا ووزن وروي وقافية في شعر التفعيلة وعاطفة وصدق وعكس لحالات إنسانية ووطنية واجتماعية.. وعندما قالت الخنساء:
يؤرقني التذكر حين أمسي
فأصبح قد بليت بفرط نكس
على صخر وأي فتى كصخر
ليوم كريهة وطعان حلس
هذا هو الشهر فالقصيدة منظومة على البحر الوافر والخنساء ترثي أخاها الشهيدـ وهي من عيون الشعر النسائي فالسن عند الأولى هرطقة وصف / حكي / وعند الثانية انتماء للعروبة التي تحاربها المؤامرات.
وصدق الشاعر العربي الكبير محمد مهدي الجواهري في قوله:
وحين تطغى على الحران جمرته
فالصمت أفضل ما يطوى عليه فم
وقوله :
صبراً دمشق على البلوى فكم صهرت
سبائك الذهب الغالي فما احترقا
العدد 1161 – 3-10-2023