الثورة – إخلاص علي:
دخلت الطاقات المتجددة إلى سورية بفعل الحاجة نتيجة نقص التوليد الكهربائي وارتفاع أسعار حوامل الطاقة من نفط وغاز خلافاً لكل الدول التي بدأت تتحول للطاقات المتجددة بحثاً عن طاقة أرخص وتخفيضاً لانبعاث الكربون، والبداية كانت من تسخين المياه حيث شجّعت الدولة على التوجّه إلى الطاقات المتجددة وأحدثت لهذه الغاية صندوق دعم السخّان الشمسي، إلا أن الأزمة كانت أكبر من كل التوقعات و غيّرت كل المعطيات وأصبحت الفجوة أكبر بين الكهرباء المولّدة وحاجة الاستهلاك و ترافق ذلك مع نقص حاد وشح بالمشتقات النفطية، الأمر الذي دفع الناس إلى التوجّه إلى الطاقات المتجددة لتأمين حاجتها من الطاقة.
ولعل جولة على سوق الكهرباء في منطقة البحصة يمكن أن تقلب كل المفاهيم المتشكّلة عن الطاقات المتجددة، وتظهر حجم العشوائية في سوق منظومات الطاقات المتجددة.
– تجهيزات مُعاد تصنيعها..
ومن جانبهم المواطنين يرون أن هناك فوضى في سوق منظومات الطاقة الشمسية لأكثر من ناحية، فمن وجهة نظرهم الجهات المعنيّة غائبة بالكامل عن السوق، فلا أحد يضبط الجودة و الأسعار وليس هناك جهة تثبت مواصفات التجهيزات المذكورة على البضاعة وكل محل يروّج للماركة التي يبيعها دون تقديم الضمان أو الكفالة لذلك.
ما قاله المواطنون أيّده أحد المهندسين المتخصّصين بالطاقات المتجددة وصاحب شركة منظومات طاقات متجددة طلب عدم ذكر اسمه وقال: مشكلة شركات الطاقات المتجددة أنها أخذت طابعاً تجارياً بحتاً بعيداً عن الرقابة، فمنذ العام ٢٠١٨ بعد تردّي الوضع الكهربائي وارتفاع أسعار المشتقات النفطية وغيابها بدأت الناس تفكّر بشكل فعلي بتركيب منظومات الطاقة المتجددة وتحرّكت وزارة الكهرباء لتنظيم هذا القطاع وتحديداً من خلال المركز الوطني لبحوث الطاقة وحاولت ضبط السوق من خلال مخبرين لتحديد جودة التجهيزات الموردة ولكن للأسف الأمر أخذ طابع الجباية حيث يتم احتساب رسوم الاختبار على كامل الكمية وليس على العينات المورّدة إلى المخابر خلافاً لكل دول العالم “يعني صاروا يحاسبوا على كل واط ساعي “، وهذا رفع من الأسعار بشكل كبير دون أن يضبط الجودة، فمثلاً إذا كانت البطارية ٢٠٠ وبالمخبر تبيّن أن استطاعتها ١٤٠ فيتم وضع لصاقة بالقيمة الحقيقية لاستطاعة البطارية ولكن دون أن تتم مخالفة المورّد وهذا شرّع لدخول منتجات رديئة و مدوّرة وبمواصفات متدنية وغير مطابقة للمواصفة المذكورة على التجهيزات.
وتابع: بسبب ذلك وكذلك الضغط تم توقيف المخابر، وعليه انتشرت المنتجات الرديئة بشكل أكبر وأصبح الجميع يعمل بتجارة المنظومات دون أي معرفة علمية أو خبرة في الطاقات المتجددة، يعني شخص كان يعمل بالبناء ولديه رأس مال تحوّل إلى تاجر وورشة لتركيب المنظومات الشمسية ولذلك السوق مليء بالمنتجات المخالفة، فالبطاريات ليست بالوزن المدوّن عليها، والأسيد والمواد مُعاد تدويرها وهذا يدفع ثمنه المواطن أولاً، والشركات التي تلتزم بمعايير الجودة والمواصفات ثانياً لأن منتجاتها مضمونة وبالتالي سعرها أعلى.
– انخفاض الطلب..
وبالنسبة للأسعار فهي مختلفة بين محل وآخر وحسب التجار فهي انخفضت ولكن الانخفاض ضاع في فرق صرف الدولار، وعن كيفية الانخفاض أوضح بعض التجار أن الصين هي المُنتج رقم واحد وبعد انتهاء جائحة كورونا عادت الشركات للإنتاج بقوة بنفس الوقت الذي فرضت فيه الولايات المتحدة وأوروبا عقوبات على الصين الأمر الذي خفّض تكاليف الإنتاج نتيجة وفرة الإنتاج والمنافسة بين الشركات للبقاء وهذا انعكس على الأسعار ولكن ارتفاع سعر الصرف عندنا من 8آلاف إلى 14ألف أضاع على المواطن فرصة الاستفادة من انخفاض الأسعار، فالمنظومة الكاملة لتخديم المنزل بشكل تام ( أربع بطاريات وانفيرتر باستطاعة 5آلاف وثمانية ألواح تكلف اليوم 85 مليون وبالتالي القرض الذي يتم منحه لا يغطي أكثر من 30 % من منظومة كاملة وعليه يكتفي الناس اليوم بلوحين وبطارية وانفيرتر صغير وهذا أربك الموردين للاستطاعات الكبيرة مثل الانفيرتر 5آلاف لأن ذلك أصبح أكبر من قدرة المواطن.
-وجع السوق..
من خلال اللقاءات يُمكن القول أن سوق الطاقات المتجددة يفتقد أولاً إلى ضبط الجودة فكل تاجر أو شركة تروج لبضاعتها على أنها الأفضل ولكن دون تثبيت ذلك، ثانيا يتصف السوق بالعشوائية فليس هناك معايير لمَن يعمل في تركيب منظومات الطاقة، فالحداد يصمّم القواعد ويركّب المنظومة دون أي أساس علمي، ولا توجد جهة تحدد شروط ضمان الكفالة بعد التركيب.
ثالثاً.. غياب قوانين ضبط فنيات التركيب مثل توزيع الألواح على الأسطح وتنظيم القواعد وتثبيتها ، و الارتفاع، وحماية الأسطح لساكني الطوابق الأخيرة وعزلها، إضافة لترك ممرات لتنظيف الألواح.
أخيراً يبدو أن سوق الطاقات المتجددة بحاجة كبيرة للضبط والتنظيم والإشراف المباشر من الجهات المعنية، وإلا فالعشوائية ستشوّه المنظر العام و ستتحول مساحات كبيرة من بلدنا لمكبات نفايات مدوّرة يدفع ثمنها المواطن والدولة معاً.