بدائل ثقافيّة محلّيّة

الملحق الثقافي-غسان كامل ونوس:
حين تضيق الأحوال على الناس عامّة، ويصبح العيش في أدنى تصوّر قضيّة ضاغطة، ويغدو التواصل المباشر والتنقّل بيسر وسلاسة متعذّراً، أو مكلفاً على أقلّ تقدير، تتأثّر جميع القطاعات بذلك؛ ومنها الثقافة، وبما أنّ الحياة ستستمرّ، ويجب أن تتواصل، وفي مختلف الجوانب والمجالات والتوجّهات، فإنّ من البدهيّ والمطلوب البحث عن أساليب مختلفة وبدائل ممكنة، وفي المتناول؛ وسائل وأدوات وعناصر وكيفيّات… وطبيعيّ أنّ هذا الأمر يشمل كلّ شيء بهذه الدرجة أو سواها. وعلى الرغم ممّا يقال أحياناً في السرّ والعلن، مقلّلاً من جدوى الثقافة، في الظروف العصيبة، ومثبّطاً من الهمم والجهود والعزائم، التي تواصل الاهتمام بالثقافة، وتحثّ على القيام بنشاطاتها؛ بحجّة أنّ البحث عن لقمة العيش وما يؤمّنها هو الأساس؛ فإنّنا- مع تأكيدنا الحقّ في الحياة الكريمة لكلّ الناس؛ نرى أهمّيّة استثنائيّة للثقافة في الظروف الاستثنائيّة؛ فاستيعاب الحالة وامتصاص الصدمات، وفهم الوقائع والأسباب والنتائج، وحسن التصرّف، واستخدام الملكات والإمكانيّات، واستلهام الحلول، واستكشاف دروب الخلاص… دلائل وعي، تؤمّنها الثقافة! من دون أن يغيب عن البال أنّ الثقافة بمكوّناتها المعنويّة والنظريّة، وفعاليّاتها وكوادرها وأدواتها، ليست في منجى من التأثّر بالأحداث الكبرى، وانعكاساتها على حيويّتها وتوجّهاتها ومظاهرها ومكنوناتها؛ وهذا يرتّب مسؤوليّة مضاعفة على المثقّفين، والمعنيّين بالثقافة، تجاه الثقافة ذاتها؛ ترميماً وتنظيماً واستنهاضاً، وتجاه الجهات الأخرى؛ إقناعاً وتحفيزاً وتوعية وتعميماً…
لقد اعتدنا؛ لسنوات قبل الأزمة الكارثيّة، التي ما نزال نعاني من تبعاتها، على النشاطات التي تقام خارج محافظاتنا، والزيارات واللقاءات الكثيفة، بدعوات تتكرّر، وتتعدّد، إلى ندوات ومحاضرات وأمسيات ومهرجانات ومسابقات، مع استضافات ممكنة. لكنّ هذا الواقع تغيّر كثيراً في الآونة الأخيرة، وصار صعباً على المثقّفين أمر الانتقال والإقامة، وعسيراً على المستضيفين القيام بواجبات الضيافة والمبيت، وعبئاً على المتلقّين الحضور والمشاركة المباشرة، وهذا ملاحَظ ومفهوم. وصار لزاماً علينا التفكير مليّاً في التعامل الواعي بالمسألة، والبحث جدّيّاً عن الحلول. وفي ما أرى، فإنّ العمل على البدائل الثقافيّة المحلّيّة أمر مناسب لأكثر من سبب، فهو يملأ الفراغ، الذي تسبّبه قلّة المستضافين، ويحدّ من تكرار الأسماء والموضوعات المعروفة في المحيط القريب، والأهمّ أنّه يساعد أصحاب المواهب والإمكانيّات الغائبة والمغيّبة، على الظهور والحصول على فرص لإثبات الوجود؛ وفي هذا فوائد جمّة على الثقافة والناس، وعلى المنطقة ذاتها، والمناطق الأخرى، التي تنحو المنحى ذاته. ولنعترف، بأنّنا- كنّا وما زلنا- نهتمّ بالبعيد أكثر من القريب، وبالمشهور أكثر من المستجدّ، وبالمألوف أكثر من الجديد! ربما كان ذلك تفاخراً أو استقواء، أو توفيراً للجهد والتفكير، والتخفّف من المسؤوليّة! وفي هذا ظلم مضاعف؛ تعويم لمن قد لا يستحقّ، وتعوّد مرهّل، واجترار لا يسمن، وإحباط من هم بعيدون عن الظهور، وافتقاد للتجديد.
ويمكنني؛ ومن خلال تجارب معيشة لسنوات، أن أؤكّد غنى قرانا ومدننا بأصحاب المواهب الثقافيّة، ولا سيّما من الجيل الشاب، على الرغم ممّا يقال، ونعرف من المعاناة والضغوط المتنوّعة وقتامة المنافذ، وما يثار ظلماً في حقّ هذا الجيل من ممارسات واتّهامات؛ وهذا يدفعنا إلى بذل المستطاع من أجل اكتشاف المزيد من هذه المواهب، وتوجيهها، ورعايتها، واستثمارها.
ومن الطبيعيّ أن تشمل البدائل الثقافيّة المحلّيّة- وتتطلّب- أشكالاً مغايرة في البحث عن أصحاب الإمكانيّات في مختلف الشرائح والتجمّعات (مدارس وجامعات ومعاهد رسميّة وخاصّة- مؤسّسات ودوائر وإدارات محلّيّة- نقابات ومنظّمات- أحزاب- تجمّعات أهليّة…)؛ كما تستدعي وسائل وأساليب مختلفة في العرض والتقديم؛ بعيداً عن الرتابة والمحدوديّة والواجب، وجمهوراً جديداً من شرائح متعدّدة؛ ولا سيّما الفئات الشابّة، وبيئات متنوّعة؛ ولا سيّما تلك التي لم يسبق أن دخلت إليها النشاطات الثقافيّة، أو لم يتكرّر ذلك؛ كما يفترض تناول موضوعات متعدّدة؛ منها ما تبقى مهمّة، على الرغم من طرحها سابقاً، بمقاربات ورؤى مستجدّة، مع موضوعات، تقتضيها الأوضاع المتغيّرة في المنطقة والعالم، ولا بدّ من تكريس ظاهرة الحوار المرافق واللاحق، واعتماد التقييم الجادّ الموضوعيّ…
ومن المفترض والمأمول والواجب أن تكون قضيّة الاعتماد على البدائل الثقافيّة المحلّيّة من خطط المؤسّسات الثقافيّة، ومهمّات المسؤولين المعنيّين في الجهات الثقافيّة وغير الثقافيّة؛ كما أنّ من الضروريّ أن تكون هاجس المثقّفين أفراداً ومجموعات عامّة وخاصّة. وعلى الجميع إيلاء هذه المسألة ما تتطلّبه من تفكير وجهد واهتمام؛ وصولاً إلى مجتمع مثقّف واع حيويّ فعّال، ينثر الفائدة على الجميع بلا استثناء.
                      

العدد 1162 –  10-10-2023

آخر الأخبار
دعماً للنشاطات الشبابية.. ماراثون شبايي في حماة ومصياف دور وسائل الإعلام في تنمية الوعي الصحي "الدعم الحكومي".. بوابة للفساد أم أداة للتنمية؟ أرقام صادمة عن حجم السرقات من رقاب الناس مادة قانونية في "الجريمة الإلكترونية".. غيبت الكثير من السوريين قسراً حملة رقابية في حلب تكشف عن معلبات حُمُّص منتهية الصلاحية "تقصي الحقائق" بأحداث السويداء تلتقي المهجّرين في مراكز الإيواء في إزرع علاقات اقتصادية مع روسيا في إطار تبادل المصالح واحترام السيادة الوطنية تعاون سوري – عُماني لتعزيز القدرات في إدارة الكوارث شراكة جديدة لتحديث التعليم وربط الشباب بسوق العمل زيارة الوفد الروسي.. محطة جديدة في العلاقات المتنامية بين دمشق وموسكو سوريا وروسيا تبحثان بناء شراكة قائمة على السيادة والمصالح المشتركة سوريا: الاعتداء الإسرائيلي على قطر تصعيد خطير وانتهاك سافر للقانون الدولي الشيباني: سوريا تفتح باب التعاون مع روسيا.. نوفاك: ندعم وحدة واستقرار سوريا استهداف قيادات حماس في الدوحة.. بين رسائل إسرائيل ومأزق المفاوضات "إدارة وتأهيل المواقع المحروقة للغابات" في طرطوس تحالف يعاد تشكيله.. زيارة نوفاك  لدمشق ملامح شراكة سورية –روسية  دمشق وموسكو  .. نحو بناء علاقات متوازنة تفكك إرث الماضي  بين إرث الفساد ومحاولات الترميم.. هل وصلت العدالة لمستحقي السكن البديل؟ حلب تفرض محظورات على بيع السجائر.. ومتخصصون يؤيدون القرار 1431 متقدماً لاختبار سبر المتفوقين في حماة