شهدت الرواية العربية، والقصة القصيرة في السنوات الأخيرة انتعاشاً ملحوظاً وتنوعاً في مضمونها، وأسلوبها، والقضايا المطروحة من خلالها. وهذا يعود إلى عدة عوامل منها التغيرات الاجتماعية، والثقافية، وتقدم التكنولوجيا، وتأثيرها على الكتابة، والنشر بما في ذلك من تأثيرات عالمية للتواصل الثقافي العابر للحدود.
كذلك شهد سوق الكتابة ـ لو جاز التعبير على أنه سوق ـ ظهور أعداد لا يستهان بها من الكتّاب الجدد الذين تناولوا في كتاباتهم الأولى قضايا اجتماعية، وسياسية حارقة مثل الهجرة، والحروب، والهوية، والتحولات الاجتماعية في مجتمعاتهم، ومعاناة الفرد الداخلية في عالم متفجر متغير.
ولا يمكن الحديث عن الكتابات الجديدة دون الإشارة إلى تأثير التكنولوجيا من خلال شبكة المعلومات، فقد أصبحت هذه الوسائل الحديثة تيسّر نشر القصص، والروايات، كما تواصل الكتّاب مع الجمهور. والكتّاب الجدد يستغلون وسائل التواصل الاجتماعي، والمنصات الرقمية للترويج لأعمالهم، وجذب الانتباه إلى كتاباتهم، ودون أن ننسى أن التكنولوجيا توفر أيضاً فرصاً جديدة للابتكار في السرد الأدبي مثل القصص التفاعلية، والروايات المرئية، والألعاب الروائية.
ومع انطلاق منصات الذكاء الصناعي كمنصة (تشات جي بي تي) وما يشبهها أصبحت مغامرة الكتابة أكثر سهولة، ويسراً، والجرأة على خوض تجربتها لا تنقص أحداً. وهذا بدوره يستدعي سؤالاً حول مصير الأدب الذي تتجاذبه أيدي الكتّاب الجدد من جهة، والذكاء الصناعي من جهة أخرى كأداة مساعدة، بينما تتوافر واجهات سهلة الاستخدام للوصول إلى الكتب على تنوعها، ولتقديم تجارب القراءة التفاعلية.. وقد يكون الجواب بأن الإبداع، والموهبة لا يمكن استبدالهما بما أصبح متاحاً مهما بلغت الرغبة في الكتابة، أو الجرأة عليها من درجة عالية.
وعلى الرغم من الوسائل المعاصرة من مكتبات لكتب إلكترونية، ومنصات للنشر الرقمي عوضاً عن الآخر التقليدي، ومواقع للتواصل الاجتماعي تضمن الدعاية والترويج، ومدونات يتم التفاعل عليها، ما يتيح توسيع قاعدة جمهور القرّاء المحتملين أو المهتمين، والتحفيز على زيادة انتشار كل ما يستجد، أقول رغم كل ذلك فإن التكنولوجيا ليست الفرصة الوحيدة في زيادة انتشار الأدب فمما لا شكّ فيه أن لكل من الجودة، والإبداع البشري عوامل حاسمة في جذب القرّاء، والحفاظ عليهم. إن التوازن بين التقدم التكنولوجي والقيم الثقافية، والفنية للأدب سيكون مهماً للحفاظ على تأثير هذا الأدب، وجودته في عصر التكنولوجيا المتقدمة.
أما النشر الرقمي على المدونات، وصفحات التواصل بشكل مباشر مع الترويج له فهو يتجاوز ذلك التقليدي الذي يصدر على شكل كتاب ورقي من خلال دار نشر تعتمد مختصين، ولغويين لقراءة النصوص، وإقرار صلاحيتها للنشر، ومدى جودتها، وإجراء تحرير لها إذا ما لزم الأمر.
وها هي تجارب مستحدثة بات يقوم بها هؤلاء الجدد من الكتّاب بإصدار أعمال أدبية كاملة باستخدام الذكاء الصناعي لا الإبداع البشري سواء اعترفوا بما اقترفوا، أم لم يعترفوا، إلا أن اعترافهم قد يصبح عاملاً ترويجياً، ودعاية تدفع للبحث عن هذا العمل، وقراءته بدافع الفضول على الأقل لاختبار قدرات ذلك الذكاء، وإمكاناته في كتابة نصٍ أدبي كامل على شكل رواية، أو قصة.
لاشك أن ذلك أمر مثير للاهتمام يستوقفنا، ويدفعنا لأن نطّلع عليه، أو لأن نجربه، إلا أن هذا الذكاء الصناعي مهما بلغ من التطور الذكي سيظل غير قادر على أن ينفخ الروح في النص الأدبي كخلق جديد يقوم به المبدع وهو يزن بميزان الذهب كلماته، وعباراته في مسار أحداث القصة، أو الرواية.
كتابات جديدة ستظل يفاجئنا أصحابها بإمكانات حقيقية، أو بمساعدات فنية قد تحبط، ولا تسعف ما لم تتوافر الثقافة اللازمة، والعين الناقدة، والمقدرة على لعب دور الكاتب، والأديب.. إلا أنه يظل للأدب الذي يكتبه الأديب دون عناصر مساعدة قدرة إبداعية فريدة ذات تأثير فلسفي، وعاطفي، وثقافي لا يمكن تعويضها بالكامل بواسطة التقنيات الحديثة على الأقل حتى الآن.