الثورة – إعداد ياسر حمزه:
كثير من الناس يحتفظون بمقتنيات قديمة لتستدعي التذكر لديهم، فيقتنصون لحظة من الزمن الحاضر للعودة إلى الزمن الجميل.
فهناك دائماً حنين ورغبة وسؤال: لماذا الذاكرة تحتاج دوماً إلى من يُذكرها؟! .
في زمن الذاكرة التكنولوجية، لم يُعد لصندوق الذكريات مكان في حياتنا اليومية، فالرسائل الورقية والصور المطبوعة على الورق، والورد المجفف المنسي بين صفحات كتاب، والمناديل المعطرة والمطرزة بأول الحروف من أسماء الأحبة، كل هذه التفاصيل الصغيرة اختفت، فاختفى معها صندوق الذكريات.
ومع اختفاء صندوق الذكريات سقط آخر معقل من معاقل الرومانسية، فلم يعد البكاء على الأطلال وارداً في زمن التقنية الحديثة، ولم يعد اجترار ذكرى الأحبة مثيراً للشجن.
لقد أصبح الأحبة حاضرين رغم غيابهم، فبضغطة زر نستدعيهم، بدءاً من الصور القديمة التي ننسخها مئات المرات ونحفظها في ذاكرة التقنية، إلى الأحبة الذين فرقت بيننا وبينهم الأقدار مكانياً، ولم يعد الفراق موجعاً فبضغطة زر، أيضاً نستدعيهم، ونستدعي أخبارهم وأخبار من تفصلنا بيننا وبينهم قارات.
لقد بات التواصل المتواتر من خلال تقنيات التواصل الحديثة من /فيس وواتس اب وتليغرام وغيرها / يقلل لهفة الرؤية وشوق اللقاء، فلم يعد لشعراء الحب دور في حياة المحبين، ولم تعد قصائدهم مقتبسة في رسائل الأحبة، حتى الأفلام لم تعد قصص حب ملتهبة تنتهي بأمل أو ألم.
لقد كان في حياة معظم الناس، قديماً، صندوق ذكريات، أو ما يسمى صندوق الأسرار الصغيرة والجميلة، يرثه أحياناً، أبناؤهم فيفرطون به، وبالتفاصيل وبالذاكرة الجميلة.
لقد كانت الأسرار والمشاعر تُخبّأ في صناديق جميلة متعددة الأحجام والأشكال، لتحفظ ذكرياتهم.
هناك أشخاص يجدون متعة لا تضاهيها متعة أخرى في اقتناء السلع المستعملة المعروضة عن مقتنيات قديمة من كتب أو تحف، أو صندوق ذكريات مليء بالرسائل أو الصور، أو طوابع بريدية قديمة وعملات متنوعة، فغالباً ما يكون البائع جاهلاً بمحتويات السلعة التي يبيعها، ما يجعل المفاجأة مضاعفة للمشتري.
– مزاد الذاكرة..
تٌعد دور المزادات العالمية من أكبر المتاجرين بالذاكرة، و تحصد سنوياً ملايين الدولارات، كوسيط بين البائع والمشتري، مقابل ملامح إنسانية للحياة تجلت في مقتنيات خاصة جاهد مُلاكها في الحفاظ عليها.
إن لهذه المزادات روادها من كبار جامعي التحف والكتب القديمة وكل ما هو مستعمل مرَّ على أشخاص بعينهم، أو أشخاص مجهولين اقتنوا أشياء ذات قيمة فنية، ويعد الزمن وطوله هو الفاصل في قيمة السلعة على منصة المزاد.
– لماذا نفرط في الصندوق؟..
هل لأننا لم يعد لدينا أسرار؟ أم لأن أسرارنا أكبر من أن تُحفظ في مجرد صندوق؟ ربما، سيكون متاحاً ليد وعين متلصصة.
يبدو أننا أصبحنا أكثر حيطة من ذي قبل، فنحن محاطون بالأسرار والأرقام السرية، فهاتفك النقال برقم سري، وبريدك برقم سري، وحتى بعض الأبواب لا تفتح إلا بأرقام سرية.
كما أن صورنا وأشياءنا الغالية نضعها في «فلاش ميموري» بحجم نصف الإصبع أو أقل، وننقلها معنا أينما ذهبنا، اذاً من ناحية أخرى يمكننا القول أن صندوق الذكريات مازال موجوداً، و لم يتم التفريط به، بل تم التفريط في شكله الماضي فقط، فأسرارنا أصبحت تختبيء في هذا الفلاش الصغير والملف الأصغر في جهاز الكمبيوتر والموبايل الخاص بنا.
