رنا بدري سلوم
أيام حداد لفّت قلوب السوريين صغاراً قبل الكبار، أدمعت عيونهم قصص مئات الأطفال الشهداء الذين ارتقوا، نتيجة الجرائم الهمجيّة التي ارتكبها العدو الإسرائيلي في غزّة بحق المدنيين الآمنين في مشفى المعمداني، راح ضحاياها أطفال رضّع في حضن أمهاتهم، وعرائس لا تزال تحضّرن ثوب الزفاف ليوم غدٍ.. لن يأتي، وقصص عن ألف طفل لايزال مفقوداً تحت ركام الحرب والدمار ولا تزال أمّه تبحث عن أشلائه لتلتقطها..علت الأصوات في وقفات تضامنيّة ليس في سورية وحسب بل شملت أصقاع العالم، تهتف لوقف الإبادات الجماعية التي جعلت الشهداء يدفنون جماعة لا فرادى، عدو واحد يعود بنا كشريط ذاكرة سوداء إلى مجازر صبرا وشاتيلا في لبنان، عدو لم يسلم منه جامع أو كنيسة، ولا رغيف الخبز ولا حبّة الدواء، عدو هدفه القضاء على الإنسان وسلب أرضه واستيطانها وتهجيره قسراً للمساومة على قضية وجوده.
لكن قضية الوجود هذه المرّة أكثر تجذّراً هكذا أثبت الأطفال الفلسطينيون الذين كتب عليهم العودة إلى الحياة بعد إصابات خطيرة نتيجة استهداف الاحتلال أماكن تواجدهم، جيل حرّ كأحرار العالم الذين جمعتهم الكوفيّة الفلسطينية وضعوها على رقابهم أثناء وقفاتهم التضامنية، الكوفيّة البيضاء المقلّمة بالأسود ومنها الأحمر التي ترمز إلى ثقافة المقاومة، الكوفيّة التي كانت مقرونة بالفدائي وسلاحه، توضع لإخفاء ملامحه.. ونتيجة لذلك أصبحت الكوفيّة رمزاً وطنياً لنضال الشعب الفلسطيني في المحافل الدوليّة، مرتبطاً اسمها بالكفاح الوطني منذ ثورة 1936 في فلسطين، حيث تلثّم الفلاحون الثّوار بالكوفيّة لإخفاء ملامحهم أثناء مقاومة القوات البريطانية في فلسطين، وذلك لتفادي اعتقالهم أو الوشاية بهم، ثم وضعها أبناء المدن وذلك بأمر من قيادات الثورة آنذاك وكان السبب أن الإنكليز بدؤوا باعتقال كل من يضع الكوفيّة على رأسه ظناً منهم أنه من الثّوار فأصبحت مهمّة الإنكليز صعبة باعتقال الثوّار بعد أن وضعها كل شباب وشيوخ القرية والمدينة.
هذه قصّة الكوفيّة بحسب ما تقوله المراجع، وكأنّ التاريخ يعيد نفسه، فهي اليوم على رقاب الأحرار تجوب العالم يرتديها الطالب والأستاذ والعامل والمرأة والطفل لإثبات وحدة الموقف والصفوف والثبات على دربِ النضال ودعماً للقضيّة الفلسطينيّة.
السابق
التالي