الثورة – أحمد صلال – باريس:
فيلم “المترجم” فيلمٌ روائيٌّ قاسٍ ومُشوّق، من إخراج رنا كزكز، وأنس خلف، وقد أنتج المخرجان السوريان، اللذان يعيشان الآن في المنفى، أول فيلمٍ روائيٍّ طويلٍ عن الثورة. يروي فيلم “المترجم” قصة سامي، الذي يؤدي دوره زياد بكري الذي ظهر في مسلسل “مكتب الأساطير”، والذي عُيّن مترجماً للمنتخب الأولمبي خلال دورة الألعاب التي أقيمت في سيدني عام ٢٠٠٠.
زلة لسان أثناء ترجمة خبر وفاة “حافظ الأسد”، أجبرت سامي على طلب اللجوء في أستراليا، حيث مُنح صفة لاجئ سياسي، في عام ٢٠١١، اندلعت الثورة السورية، واعتُقل زيد، شقيق سامي، خلال مظاهرة سلمية، فقرر سامي العودة سراً إلى وطنه، حيث اختبأ مع شقيقته كرمة، وزوجة أخيه لولو، في محاولة للعثور عليه. هذا فيلمٌ يطغى فيه المضمون على الشكل، سينمائياً، لا يُثير فيلم الإثارة اهتماماً كبيراً، فالديكورات بسيطة، والتمثيل خامّ ويفتقر إلى الجاذبية، والموسيقا التصويرية شبه غائبة، تُتابع الكاميرا بإخلاص، كأنها فيلم وثائقي، شخصية سامي الخيالية في محاولته العودة إلى بلده الذي يختبئ فيه من الشرطة والأمن. يُصوَّر سامي كرجلٍ قليل الكلام، يفتقر إلى الشجاعة، ويختبئ خلف كلام الآخرين، وذلك وفقاً لتوبيخات عائلته أو معارفه في دمشق. لذلك، في الواقع، ثمة حديثٌ مُكثّف عن الكلمات في فيلم “المترجم”، والتحدي الذي يُواجهه سامي في سعيه هو أيضاً لغوي، إنه يتعلق بعدم الصمت في وجه الفظائع التي يرتكبها النظام البائد. كدليل على ذلك، يُعزى نفي سامي السياسي أولاً إلى زلة لسان، خلال مقابلة تلفزيونية مع أعضاء الفريق الأولمبي السوري أثناء مرورهم بسيدني، بدلاً من قول “جميع السوريين ينعون “حافظ الأسد”، ترجم سامي كلامه إلى بعض السوريين ينعون “حافظ الأسد”، بمجرد وصوله إلى سوريا، قلّ كلام سامي، ولتجنب الوقوع في فخاخ النظام البائد، أُجريت المراسلات بين المحاورين كتابةً، باستخدام برامج معالجة النصوص، حتى عندما كانا في الغرفة نفسها، من السهل تخيّل مدى صعوبة المهمة التي واجهها سامي في المشهد الأخير، أن يُعبّر عن رأيه، نيابةً عن نفسه وعن شعبه، متحدياً الخطر والتضليل الذي يمارسه النظام صراحةً، وأن يُدين النظام الديكتاتوري وانتهاكاته أمام آلاف المشاهدين.
تكمن أصالة الفيلم الرئيسة في توثيقه الواقعي للغاية لقمع النظام السوري خلال الربيع السوري، مندداً بدكتاتورية “حافظ الأسد” واستمرارها، يرتكز الفيلم على واقع زمني واقعي للغاية، يمتد بين حقبتين، ويتأرجح بين إيقاعات متعددة.وهكذا، تتجذر القصة في الأزمة الديمقراطية السورية المعاصرة، عام ١٩٨٠، وتبدأ بالمظاهرات الأولى، ثم تنتقل إلى تسلسل زمني إيقاعي لغاية الثورة، وتصوّر “جمعة الثورة”، وهو أيضاً تسلسل زمني للقطات: أجواء الخوف والاستنكار والموت، الملموسة من خلال مشاهد شوارع دمشق، صوّرها ببراعة المصورين رنا كزكز، وأنس خلف.