في نيسان / أبريل 2010 تحدثت مقالة نشرتها صحيفة (يدعوت أحرنوت) عن حالة الذعر التي يعيشها اليهود في فلسطين المحتلة ضمن كيان أراد المشروع الصهيوني من وراء إقامته على أرضها – كما يدعي – أن يمثل شاطئ الأمان للشعب اليهودي، لكنه منذ نشأته كان المكان الوحيد في العالم الذي يُقتل فيه اليهود بسبب انتمائهم للمشروع الصهيوني ذاته..
وتمضي المقالة في ذات السياق لتقول إن الدولة التي أقيمت من أجل أن لا تتكرر المحرقة هي المكان الوحيد الذي يجرؤ فيه السياسيون المحليون على تهديد اليهود بمحرقة جديدة..وتجرأت الصحيفة بدورها على طرح سؤال خطير عندما قالت: علينا أن نسأل أنفسنا هل نحن مستعدون للتضحية بأبنائنا من أجل السيادة الإسرائيلية في حين أننا نستطيع أن نضمن لهم مستقبلاً من الأمن والرفاه في مكان آخر؟..
من المؤكد أن ملايين الفلسطينيين الذين اغتصبت أراضيهم عنوة، وأخرجوا من بلادهم بالقوة، يوافقون الصحيفة على هذا الحل، ومثلهم مئات الآلاف المهددون بالمصير ذاته، مع أن ما تطرحه الصحيفة قد لا يكون في واقع الحال حلاً مقترحاً بقدر كونه شكلاً من أشكال التعبئة النفسية، غير أنه مع ذلك تثير الاهتمام فقرة في المقالة ذاتها جاء فيها:”في حين يلف الإسرائيليين الرعبُ الوجودي كل عدة أعوام، فإن اليهود في أماكن كثيرة من العالم يعيشون بازدهار ورفاه واستقرار، وينعمون بحياة اجتماعية غنية، ويشاركون بشكل فعال في تحديد طبيعة الثقافة المحلية.”..
ذلك أن هذه الرؤية قد تكون إحدى التحديات الأساسية التي يواجهها المشروع الصهيوني بافتراضه – أو محاولته الإيهام ـ بأن كل اليهود في العالم هم ضمن إطاره و توجهه، وبحيث لا يعتبر أن اليهود في بلد ما هم جزء من نسيجها الاجتماعي وبالتالي فإن مساهمتهم الثقافية هي جزء من ثقافة ذلك البلد، وإنما هم (أفراد جالية إسرائيلية) يشاركون في تحديد طبيعة الثقافة المحلية، وهو ما يؤدي بالنتيجة إلى عزلتهم النفسية (المطلوبة من المؤسسة الصهيونية) ضمن المجتمعات التي يعيشون فيها، تقابلها عزلة نفسية متنامية ضدهم، إن كانت تخفي نفسها اليوم خشية ما تفرضه القوانين الغربية من عقوبات جائرة ضد من تعتبره معادياً للسامية، فإنها حين يتبدل الحال قد تنطلق بشكل لا يمكن توقعه، وهو ما يدركه المثقفون اليهود المعادين للمشروع الصهيوني، الذين يطلقون مواقفهم بجرأة يحسدهم عليها أقرانهم الغربيون، باعتبار أنهم لا يخشون اتهامهم – لكونهم يهوداً- بالعداء للسامية.. رغم أن ذلك المصطلح صار في بعض القواميس الغربية يعني العداء لإسرائيل ذات السياسة العنصرية في حين كان المقصود منه أصلاً إدانة العنصرية..
كان اليهود العرب الذين دفعهم المشروع الصهيوني قسراً لمغادرة أوطانهم أول ضحايا المشروع الثقافي الصهيوني، حين حوربت لغتهم الأم وتم التعتيم على تاريخهم وإرثهم الثقافي وعزلهم عنهما، وطال التزييف الصهيوني مبدعين وعلماء يهوداً وغير يهود فوضعوا في مكان غير مكانهم الحقيقي، فالعالم أينشتاين -مثلاً- رفض أن يكون رئيساً لإسرائيل بسبب رفضه لوجودها من الأساس، ولما رحل كتبت صحيفة أميركية ذات توجه صهيوني أنه ناصر إنشاء دولة يهودية، وشارلي شابلن رفض أداء دور (بين غوريون) مقابل أي مبلغ لأنه لا يريد تشويه تاريخه، ويوم رحل أرسلت الحكومة الإسرائيلية رسالة عزاء ب (صديق إسرائيل الكبير) !! الأمر الذي كررته يوم رحيل بابلو بيكاسو وهو الذي رفض زيارة إسرائيل لأن ذلك يتناقض مع معتقداته السياسية والفكرية والإنسانية..
ثمة جانب سيء آخر من الحالة لا يكمن في التزييف الصهيوني وإنما في تصديق بعض العرب وترويجهم له، أما الجانب الأسوأ فهو عزلة العرب أنفسهم عن مناهضي المشروع الصهيوني وثقافته العنصرية..