الثورة _ فؤاد مسعد:
فلسطين كلمة كتُبت بأحرف من نور، ترسّخت في الوجدان منذ بزوغ براعم الطفولة الأولى، هي ليست بلداً عربياً يعاني ما يعانيه من ويلات الاحتلال وجرائمه فقط، وإنما هي أبعد من ذلك بكثير، إنها بوصلة وهوية وانتماء لكل عربي، تاريخ متجذر في الأرض منذ آلاف السنين يعبق بأريج الأصالة. ومنذ الزمن البعيد إلى اليوم تبارى الكثير من الأدباء والشعراء على حفر اسمها فيما يخطون من كلمات وينشدون من أشعار. إلا أن نشيداً من بين كل ما كُتب حولها استطاع أن يلعب دوره في تشكيل وعي جيل كامل بمفردات جاءت أقرب إلى الروح، إنه “فلسطين” ومطلعه “فلسطين داري .. ودرب انتصاري” للشاعر الراحل سليمان العيسى، النشيد الذي يحفظه كل سوري عن ظهر قلب وبقي ملاصقاً له منذ الصغر وحتى الآن.
أذكر تماماً في طفولتنا كيف كنا نردد النشيد بعنفوان كبير وحماسة لا مثيل لهما، ومن ذلك الوقت زرعت في دواخلنا بذور حب فلسطين بكل ما فيها من ألم وأمل بغدٍ تنال فيه الحرية. جاءت كلمات النشيد بسيطة حد العمق وسلسلة حد التغلغل إلى النفوس دون استئذان وعذبة حد ملامسة شغاف الروح، حملت فيضاً من المشاعر والأحاسيس التي تستنهض الأنفة والعنفوان وتلامس حالة وطنية تؤكد عروبة فلسطين وبأنها قضية العرب الأساسية، والتصقت بمفرداته مع الوقت صفة الخلود والاستمرار ليتعشّق مع وعي ينمو على حب فلسطين بمدنها وبياراتها وزيتونها وبرتقالها وترابها وبكل ما فيها من دلالات ومقدسات، إنه حبٌّ فطريٌّ جُبل مع مفهوم الحياة.
في كتب المرحلة الابتدائية آنذاك كان يُرفق كل نشيد برسمة تعبّر عنه، وجاءت رسمة نشيد “فلسطين داري” التي أبدعها ممتاز البحرة لتحاكي حالة الوحدة المنشودة لعزة ونصرة الأراضي المُغتصبة، حيث علم فلسطين يرفرف بإباء وأيادي أطفالٍ تمسك به، وهي تنظر نحو المستقبل، فتعشّقت الكلمة مع الرسمة لتساهما معاً في تعمّيق الإحساس وتشكيل وعيْ بات يسري في العروق، والأمل دائماً التوق نحو الحرية.