الثورة-رنا بدري سلوم :
أن تخطّ مقالاً في مجلة الحياة المسرحية المتخصصة في شؤون المسرح، ذاك يعني أن يندرج اسمك في صفحات مبدعين أسسوا أقدام مجلة جديدة في عالم المطبوعات العربية منذ عام ١٩٧٧، وعلى رأسهم الكاتب المسرحي سعد الله ونوس الذي أخذ على عاتقه هذه المهمة الصعبة والأولى في رئاسة مجلة “الحياة المسرحية” آنذاك، فكان المسرحيون في سورية على موعد مع ولادة مجلتهم التي أضحت خلال فترة وجيزة المرآة التي تعكس نشاطاتهم وإبداعاتهم وطموحاتهم في مسرح سوري متألق، قادر على جذب الجمهور من مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية.
رئيس تحرير مجلة الحياة المسرحية الناقد والكاتب جوان جان بيّن في لقاء لصحيفة الثورة أن ولادة المجلة كان حدثاً فنياً وثقافياً لقي صداه عند العاملين في الوسط المسرحي خاصة والثقافي عامة آنذاك، ولاسيما أنه تزامن مع العديد من الأحداث المسرحية المهمة التي يشكّل بعضها منعطفاً في الواقع المسرحي في سورية، ففي نفس العام تم تأسيس المعهد العالي للفنون المسرحية وقبول الدفعة الأولى من طلبته في القسم الوحيد فيه آنذاك كان قسم التمثيل وكان المسرح القومي بدمشق قد قطع أشواطاً في بناء جمهور مسرحي واع قادر على التمييز بين الجيد والرديء من العمل المسرحي، وكانت فرق القطاع الخاص في أوج ازدهارها وتنافسها، وكان مهرجان دمشق المسرحي في ذروة تألقه، من هنا شكّل صدور “الحياة المسرحية” حلقة من حلقات الألق المسرحي الذي تكاملت بصدورها حلقاته.
وفي الواقع لم تخيّب المجلة آمال المسرحيين السوريين الذين شكلت أعمالهم المادة الأساسية لموادها من عروض ونصوص، وبطبيعة الحال لم تهتم المجلة بالنشاط المسرحي في العاصمة وحسب بل شمل اهتمامها النشاط المسرحي في مختلف المدن السوريّة، فتحدثت في أعدادها المتلاحقة عن مهرجانات المسرح في المحافظات وعن عروض فرق المسرح القومي فيها والتي تأسست تباعاً منذ السبعينيات وحتى يومنا هذا.
كما اهتمت المجلة وكما ذكر جان في مقالته تحت عنوان”الحياة المسرحية من الألف إلى الياء” بالنص المسرحي السوري بنفس درجة اهتمامها بالنص المسرحي العربي والمترجم، وربما أكثر نظراً لإيمانها بالنص المسرحي السوري وبالكاتب المسرحي السوري الذي أصبحت نصوصه تحتل مكان الصدارة في قائمة النصوص التي تنشرها المجلّة، وعلى سبيل المثال نشرت المجلة أربعة عشر نصاً مسرحياً لمختلف الأجيال المسرحية في صدورها الأول.
إضافة إلى اهتمامها بالجانب النظري من العملية المسرحية، كما أوضح جان، فنشرت مجموعة كبيرة من الدراسات لكبار النقاد والباحثين السوريين والعرب، كما اهتمت بالدراسات المترجمة التي تناولت مختلف المدارس والظواهر المسرحيّة في العالم.
وعن كيفية حفاظ المجلّة على مستواها الفكري من زمن سعدالله ونوس إلى يومنا هذا، يشير جان إلى أن مساهمة نخبة من النقّاد والكتّاب والباحثين السوريين والعرب في الكتابة في المجلة وعدم انقطاعهم عنها إلا لظروف قاهرة كان له أبلغ الأثر في محافظتها على مستواها، ولا شك أن تطور وسائل الإتصال ساهم في سهولة التواصل مع النقّاد والكتّاب العرب بحيث لا تخلو أعداد المجلة من مادتين أو ثلاث للنقّاد والباحثين العرب وتحرص المجلة باستمرار على طرح ملفّات ذات مواضيع مهمة تشجّع الكتّاب السوريين والعرب على المشاركة فيها.
وعن سؤال هل شهدت المجلة تساهلاً من الناشرين في المقالة المسرحية المنشورة؟ يؤكد جان أن المجلة لا تنشر مقالاً تلمس فيه استسهالاً في صياغة المقالة، فالمجلة مثلها مثل أي مطبوعة أخرى لا مصلحة لها في نشر مواد متواضعة لئلا يتدنى مستواها، وبالتأكيد هناك تفاوت في مستويات المواد المنشورة تبعاً لطبيعة هذه المواد، فتغطية ندوة أو القراءة في كتاب لا يمكن أن تكون بمستوى الدراسة النقديّة على سبيل المثال وكلاهما ضروري ولا يمكن الاستغناء عنهما كي يتكامل دور المجلة ويخلو من الثغرات.
التالي