الثورة _ فؤاد مسعد:
دأب المخرج محمد سمير طحان على تحقيق هاجسه في إنجاز أفلام موجهة للأطفال، كان أحدثها فيلم “نجمة” من تأليفه وإخراجه، بطولة: مي مرهج، فراس الفقير، عبير بيطار، آيات الطرش، والأطفال: يانا العائدي وشهد الشطة ونور الدين طحان. وهو من إنتاج المؤسسة العامة للسينما.
وجع الفقد
نال النص الأساسي للفيلم جائزة سيناريو الأطفال عام 2015 في المؤسسة العامة للسينما، إلا أن الكثير من التعديلات أجراها عليه الكاتب ليتم تصويره مؤخراً، فما الذي دعاه لإجراء هذه التعديلات وتجييره إلى حدث الزلزال الذي وقع في شهر شباط الماضي، أليكون أكثر طزاجة وقرباً من حالات لاتزال تعاني اليوم مما جرى ؟. ضمن هذا الإطار يؤكد كاتب ومخرج الفيلم أن النص بنسخته الأولى كان بعنوان “الدمية المحاصرة” وهو أول نص سينمائي يقوم بكتابته، ويحكي عن طفلة هُجّرت مع عائلتها بفعل الإرهاب وتركت وراءها دميتها، لتكابد الحزن على فراقها وهي تعيش في مركز الإيواء تأتي ممثلة متطوعة مع مجموعة من الشباب للقيام بنشاط ترفيهي للأطفال في المركز، وتطلب منها الطفلة طلباً غريباً لم تفهمه بداية، ولكنه يعكس مقدار ألمها وتوقها لاحضار دميتها، ويؤكد المخرج طحان أنه تم الاكتفاء حينها بإظهار لوعة الفقدان على أمل أن يعود جميع المهجرين الى بيوتهم .
يقول: “لم يُنفذ النص بسبب عدم وجود آلية واضحة لتنفيذ النصوص الفائزة في المسابقة لدى المؤسسة العامة للسينما مما جعل النص يتراجع في سلم الأولويات وخاصة مع عودة أغلب الجغرافية السورية وتحريرها من الإرهاب على أيادي أبطال الجيش العربي السوري، حتى جاء حدث الزلزال الذي وقع بداية هذا العام مما أعاد إلى ذهني هذا النص فقمت بإعادة معالجته درامياً بما يتماشى مع الكارثة الكبيرة وأضفت شخصية طفلة أخرى ليكون لدينا شقيقتان تعانيان من فقدان لعبتهما “نجمة” مع التعمق في خط درامي آخر على خلفية الحكاية الأساسية يُظهر الفقد الإنساني الحقيقي الذي عانى منه الكثير من منكوبي الزلزال”، ويشير إلى أن إدارة المؤسسة رحبت بالطرح الجديد للنص وبمعالجته الطازجة والعميقة لكارثة الزلزال من مستويين أحدهما ما عاناه الأطفال جراء الكارثة والثاني ما أصاب العائلات المنكوبة من فقدان إنساني ومكاني.
مداواة الجراح
حول الرسالة التي أراد تضمينها من جعل والدي الطفلتين من بين المتطوعين للمساعدة رغم أنهما من منكوبي الزلزال حيث دمّر منزلهما بسببه، يقول:
كانت هناك جلسات عمل ونقاش مع الممثلين حول الشخصيات، ومن عادتي العمل بروح الفريق حيث أترك للممثل إضافة رؤيته للشخصية بما يخدم مقولتها ضمن المقولة العامة، وقد اقترح الفنان فراس الفقير أن يعمل الأب في المجال الإغاثي فقررنا أن يكون متطوعاً في توزيع الإعانات على منكوبي الزلزال لتأكيد فكرة أن المجتمع السوري هو المعني الأول بإغاثة أبنائه ومساندة منكوبيه ورغم كل الآلام والظروف الصعبة يمكننا أن نداوي جراح بعضنا بعضاً. كما اقترحت الفنانة مي مرهج أيضاً أن تكون الأم مُدرّسة إلى جانب اهتمامها بتعليم أطفالها كي لا يفوتهم شيء من التحصيل التعليمي، فهي تُدرّس أطفال مركز الإيواء انطلاقاً من واجبها الأخلاقي والاجتماعي كمُدرّسة تحمل رسالة تربوية وإنسانية ووطنية تجاه الجيل، وحملت هذه اللفتة لكثير من المعاني والرسائل حول أهمية التكافل والاهتمام بالتعليم.
خارج السرب
غالباً الأعمال التي تتناول محور الأطفال تذهب في موضوعها الأساسي نحو تيمة “عمالة الأطفال”، إلا أن “نجمة” غرّد خارج السرب، فما أهمية تناول موضوعات متنوعة عن الأطفال عبر أفلام سينمائية ؟.. يجيب قائلاً: كان مشروعي في السينما خلال سنوات الحرب قضايا الأطفال على تنوعها وخاصة الشرائح الأكثر تضرراً منها، فعالجت قضية اليتم في فيلمي “إشارة حمرا” و”رائد فضاء”، وقضية التشرد في “قضبان المدينة”، وعمالة الأطفال في “أماني”، وقضية فقدان الرعاية الأسرية في “بوظة”، وهنا أعالج الفقد.
وسعيت عبر هذه الأفلام للإضاءة على أهمية اكتشاف المواهب ودعمها والغوص في تفاصيل كل طفل من هذه الشرائح المنكوبة لتقديم الدعم النفسي والاجتماعي والمعرفي له، لمعالجة ما أصاب هذا الجيل من جروح مادية ونفسية، وأرى أنه من المهم العمل على كل القضايا التي تخص الأطفال، فلايزال لدينا الكثير للحديث عنه والعمل عليه، ولا مستقبل مشرقاً لأي شعب دون حاضر قوي لأبنائه، وهذا ما أحاول المساهمة فيه بما امتلك من إمكانات ضمن الفرص المحدودة التي تتاح لي مع شركاء حقيقيين مؤمنين بهذا المشروع الثقافي والمعرفي والوطني المهم.
التالي