الثورة _ رنا بدري سلوم:
“أوقفوا إطلاق النار ودعم الإبادة الجماعيّة، أوقفوا هذه الهمجيّة ودعم المجازر الوحشيّة”.. حملوا اللافتات ولوّنوا أكفّهم باللون الأحمر استنكاراً لمذبحة الدماء التي أريقت ظلماً وعدواناً، علت هذه الأصوات والأكف في البرلمان الأميركي، لكن ما أن تسرّبت هذه الفيديوهات للعالم حتى تم حذفها، بعد أن أثارت التفاعل والتعاطف مع آلاف الشهداء من الأطفال الفلسطينيين، كاشفة الحقيقة المحجوبة التي يشوّهها الكيان الإسرائيلي الفاشي ليقلب الموازين ويقدم الحجج لهذه الإبادة الجماعيّة التي يرتكبها بحق الأطفال والنساء والأبرياء في غزّة.
كل تلك الصرخات الإنسانيّة بلهجات مختلفة ولغات عالميّة، تفضح وحشاً يروق له ارتكاب المجازر والجرائم دون حسيب أو رقيب، يوجّه صواريخه القاتلة إلى صدور حمائم وديعة لم تلبث أن تطير بعد، وحش لن يستسلم أمام جبروت الأمهات اللواتي اعتدن أن يقدمن الشهداء قوافلاً فداء لفلسطين كي تبقى حرّة عربيّة، فمنذ اللحظات الأولى لفيضان الدّم في قطاع غزّة تصدّرت المشاهد المؤثرة والموجعة حدّ الغضب صفحات التواصل الاجتماعي بدءاً من أمهات يكفنن أطفالهن في كفن واحد، مروراً بأمهات تزغردن لعرائس الجنّة، وأم تنتظر لأيام أن يخرج ابنها الوحيد حيّاً من تحت الأنقاض ولم تفقد الرجاء، وصولاً إلى الفيديو الذي انتشر مؤخراً وكان الأكثر تأثيراً وغرابة وإباءً معاً، حمل عنوان “أي الأمهات أنتن” جملة كتبها الملايين على صفحاتهم الشخصية حول العالم، فيديو لأم كفّنت ابنها الرضيع بالكوفيّة الفلسطينيّة مكتوب عليها فلسطين، كفّنته وهو بحجم كفيّها، بكل هدوء ودم بارد، مع كل فخر حمّلته بيده الصغيرة علم فلسطين، صوّرته بكاميرا فيديو توثّق لحظاتها الأخيرة معه قبل أن يوارى الثرى.
يختصر هذا المشهد المؤلم حد الصمت في هذه الحرب، ليقول للعالم مهما علت الأصوات وتباكت الوجوه، مهما أرعبت صواريخ المحتل المختل قلوب الأطفال وأوقفتها عن النبض، يبقى الحدث المؤلم هو سيد الموقف ويبقى دم الأبرياء هو الكلام الفصل، رغم الألم المطعّم بالصمود والبقاء، يبقى الشعب الفلسطيني شعب لا يقهر ولا يموت، ومن يرحل جسداً تطوف روحه حول فلسطين أرضه وبيته وثراه، أرواح تسوّرها بدمع العيون، تعلنُ القيامة والخلاص من آلامها عاجلاً أم آجالاً.
السابق
التالي