يمن سليمان عباس:
كيف تعمل المواقف في النفس وما الدوافع الكامنة وراء الكثير مما نعانيه.. هل كل هذا يجري وينتج عن معاناة ذاتية داخلية، أم أن هناك الكثير من المواقف التي تأتي من الآخر، وهي ليست تفاعلاً وإنما تصنف في باب الابتزاز.
والابتزاز ليس عاطفياً فقط كما في العنوان الذي نقف عنده وإن كان يركز على الجانب العاطفي واسع الطيف.. الابتزاز يمارسه البعض ممن يقتنصون ويتصيدون الأخطاء ويريدون أن يدفع الآخرون ثمنها مقابل السكوت عنها.
نقف اليوم عند كتاب “الابتزاز العاطفي” الذي يتحدث عمن حولك حينما يستخدمون الخوف والإلزام والشعور بالذنب للتلاعب بك، من تأليف الكاتبة سوزان فوروارد، وهو مرشد شامل يكشف الطرق التي يمكن بها للأشخاص المقربين أن يؤثروا على سلوكياتنا وقراراتنا من خلال استغلال مشاعرنا.
يبدأ الكتاب بالتعريف بمفهوم الابتزاز العاطفي كأداة تلاعب، حيث يستخدم المُبتَزّون العاطفيون التهديدات للإكراه على الامتثال لرغباتهم تحت وطأة العقاب المحتمل.
في تفاصيل الكتاب
يتطرق بعمق إلى الأدوات الثلاث الرئيسية للابتزاز العاطفي: الخوف، الإلزام، والشعور بالذنب. يُستخدم الخوف لترهيب الضحية، الإلزام لإقناعها بضرورة الاستجابة لتوقعات الآخرين، والشعور بالذنب لخلق إحساس بالمسؤولية تجاه سعادة ورفاهية الشخص المُبتَزّ.
تحلل فوروارد الأسباب النفسية التي تجعل بعض الأشخاص أكثر عرضة للتأثر بمثل هذا التلاعب، وترجع ذلك غالباً إلى التاريخ الشخصي وطريقة التربية. تقترح أن جذور الضعف أمام الابتزاز العاطفي غالباً ما تكون متأصلة في الماضي، حيث تضع ديناميكيات الأسرة المبكرة الأساس للعلاقات المستقبلية.
وحسب القراءات النقدية والتحليلية للكتاب فإنه يُبرز سمات الشخصيات المُبتَزّة وضحاياهم؛ فالمُبتَزّون يكون لديهم غالباً خوف مُتأصّل من الخسارة أو الهجر، أو حاجة ملحة للسيطرة. في المقابل، الضحايا غالباً ما يكونون أشخاصاً يتمتعون بحس مرتفع من المسؤولية تجاه الآخرين وخوف من إغضاب الأشخاص الذين يهتمون بهم، ما يجعلهم أكثر عرضة للتلاعب.
يُخصص جزء كبير من الكتاب لاستراتيجيات عملية لمواجهة الابتزاز العاطفي. تُؤكّد فوروارد أهمية التعرف على علامات الابتزاز العاطفي والأنماط التي يستخدمها المُبتَزّون، وتُرشد القراء حول كيفية تحديد الحدود الشخصية وتطبيقها، على الرغم من الردود السلبية المحتملة من المُبتَزّ.
تتناول الكاتبة أيضاً ديناميكيات العلاقات الأوسع، وتقدم نصائح حول تقنيات التواصل التي تشمل الاستماع الفعّال والتحدث الجريء، ما يمكّن الضحايا من التفاوض بشكل أكثر فعالية مع المُبتَزّ، وتدعو إلى اتباع نهج حازم ولكن متعاطف، مقترحةً أن الحفاظ على الاحترام للذات وللمُبتَزّ يمكن أن يساعد في إعادة ضبط العلاقة.
في الختام، تناقش فوروارد أهمية الاهتمام بالنفس والأنظمة الداعمة لمن يعانون من الابتزاز العاطفي، وتشجع على طلب العلاج النفسي أو الانضمام إلى مجموعات الدعم لتعزيز العزيمة والاستفادة من تجارب الآخرين، فالرسالة الأساسية للكتاب هي تمكين الذات، مؤكدةً أنه بينما قد لا نتمكن من تغيير سلوك المُبتَزّ، يمكننا تغيير رد فعلنا تجاهه، ما يُعيد لنا السيطرة على حياتنا العاطفية.
وخلاصة الق: إنه من الكتب المهمة التي لاقت رواجاً كبيراً ويتم تداوله بشكل كبير، ويحمل بنسخته الإلكترونية، التي تشير أعداد نسخها وتحميلها إلى أرقام مرتفعة، وربما مرد ذلك إلى أننا نعيش في عالم تسود شرعة الغاب قبل تفعيل القانون الإنساني، ولاسيما في المشهد السياسي الذي ينسحب على ألوان الحياة كلها، فالقوي يبتز الضعيف إلا ما ندر.