الملحق الثقافي- رفاه الدروبي:
مازال الجرح الفلسطيني نازفاً منذ خمسة وسبعين عاماً؛ فالعدو يقتل ويذبح ويستوحش ويستوطن ويرتكب قوافل المجازر بحقِّ أهلنا في الأرض المحتلة بعد أن هجَّر أغلبهم في بلاد الشتات، وراح يتابع جرائمه بقتل المفكرين والأدباء لأنَّهم عرّوا وحشيته وأفصحوا عن تضامنهم الكامل مع الحق الفلسطيني بالكلمة الطلقة، وأراقوها حبراً على الورق، فما دور المثقفين والمبدعين في فضح جرائم ومجازر العدو على الشعب العربي الفلسطيني وشعوب العالم، وهل الكلمة تُماثل الطلقة في ساحات المعركة؟
الكلمة موقف
الأديب أحمد علي هلال أشار إلى أنَّ دور المثقف ضرورة تاريخية ولا سيما في الحروب على الأوطان، ولابدَّ من استعادة الحديث عن ماهية المثقف ووظيفته كما المبدع انطلاقاً من معنى اللحظة الفارقة كي نستعيد بها بديهيات الدور وجوهره نفياً لكلِّ ما يُشكِّل إقصاءً له.
فالمسؤولية المضاعفة في الدفاع عن الوطن؛ وبالمقابل فضح جرائم «الصهيونية» فاقت ما فعلته النازية والفاشية والعنصرية. إنَّ فلسطين لحظة ضمير جمعي يوحّد رؤى المثقفين والكتَّاب الأكثر انتباهاً لوظيفة الكلمة وزخمها وتأثيرها على مستويين: تمجيد البطولة الجماعية، وفضح وتعرية وحشية الاحتلال «الصهيوني» الغازي وفظائعه المتواترة على أرض غزة وفلسطين،
فالكلمة موقف ورؤيا دائماً يجهران بالحقيقة ويكونان شهوداً عليها إذ إنَّ الكلمة والخطاب ما لم يُشكِّلا بيئة حاضنة للمقاومة المتعددة المستويات تغدو الثقافة فعلاً من أفعال الترف والاستهلاك ولا سيَّما في لحظة الاستحقاق الوجودي ويعني الهوية والذاكرة والتاريخ.
وبيَّن بأنَّ المثقف المشتبك ضرورة تاريخية بفعل وعيه المتقدم، والعنوان الآن للثقافة الجديرة باسمها فلا حياد ولا انتظار ولا وقوف في الرمادي.
إنَّ استحقاق الحرب على غزة كما سورية وكل أرض عربية تقاوم المحتل لتستعيد الأرض، فحقيقة الأدوار في المجال ذاته ما لم تصدر عن مشروع ثقافي مقاوم ستبقى في المدى النظري المنفصل عن الواقع، ويعتبر الفهم المغاير لحقيقة الثقافة والإبداع كلاهما ينبغي أن يصوغا عقداً جديداً مع ذاكرة الأمة. ومع أنها أدوارٌ مركَّبة لكنَّها بالضرورة التاريخية تعبير عن وعي جديد لابدَّ منه كي نستحقَّ أوطاننا.
ثقافة المواجهة
الأديب حسن إبراهيم الناصر رأى أنَّ منطق التاريخ يُؤكِّد حقيقة جليَْة كوهج الشمس مفادها: أنَّ الدفاع عن الوطن واجب عقيدة ويقين لا تردُّد فيه ولا رمادية بالكلمة والسلاح والموقف، إيمان بأنَّ الوطن غال.
وفي العدوان الصارخ الحالي على أهلنا في غزة تبيَّن للعالم حقيقة الحرب العدوانية الظلامية على سورية قلب الأمة العربية وقد أرادوا قتل القلب ليتمَّ لهم تقطيع بقية الجسم العربي بسهولة.
وتابع قائلاً: إنَّ دور الأديب والمثقف الحقيقي يتركَّز في استنهاض ثقافة المواجهة، وليس هناك أوضح من بيان اللغة والأدب والفن والإبداع كسلاح رديف لمقاتل يدافع عن الوطن لأنَّ الكلمة في مكانها وزمانها طلقة سلاحها الإيمان بالله والوطن، وأنَّ قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن تبقى حبراً على ورق إذا لم يكن هناك قوة مقاومة على أرض الواقع تدافع عن الأرض المحتلة؟! والشعب العربي منذ عقود قديمة تعرَّضت أوطانه للاحتلال ووصاية المستعمر كثيراً عبر التاريخ الإنساني؛ ولكنَّه لم يستسلم، ولن يستكين بل دائماً كانت الشعوب تنهض تلملم ذاتها من خلال الفكر والثقافة والعمل على تحقيق أهداف وطنية قومية ترفض الاحتلال والوصاية والتبعية.
كما أوضح بأنَّ ما يتعرَّض له أهلنا في فلسطين العربية المحتلة من مجازر وإبادة جماعية يدلُّ بكل تأكيد على «العنصرية الصهيونية» ودورها لا تمت بصلة حتى إلى «اليهودية الحقيقية» كما يدَّعي «الصهاينة» المجرمون القادمون من شتات العالم لاغتصاب أرض ليست لهم وقتل أهلها ونفيهم خارجها، ومن ثم تقسيم الوطن العربي إلى دويلات وطوائف كي يتمَّ تشكيل «دولتهم العنصرية «الصهيونية» اليهودية»!.
الأدب لفضح الجرائم
ثم أردف الأديب الناصر أنَّه ربَّما من أصعب الأمور المرحلية الكتابة عن موضوع الهوية الوطنية والانتماء للوطن من خلال الفكر والأدب والفن والثقافة لفضح جرائم الاحتلال «الإسرائيلي» في الضفة الغربية وقطاع غزة والجنوب اللبناني والجولان السوري، وإظهار حقيقة يُمكن أن تعرفها شعوب العالم كلها كما يعرفها أبناء الشعب العربي وخاصة في سورية: بأنَّ الإدارة الأميركية صاحبة القرار الأساس في زرع الفتن ونشر ثقافة الفوضى الخلاقة والليبرالية الحديثة لتفكيك المجتمعات وخلق النزاعات والحروب المتنقلة خدمة لهدفين أساسيين:
أولهماحماية «إسرائيل» من خلال وجود دول متهالكة المؤسسات، فاشلة، ممزّقة، تتقاتل فيما بينها لتظهر أنَّها دولة علمية تمتلك تقانة وتكنولوجيا المعلومات والصناعات؛ والشعب العربي يتحوَّل إلى مجتمع استهلاكي لم يعد يُفكِّر بالدفاع عن حقوق ولا أرض ولا ماء. مجتمع همّه تأمين لقمة العيش ليس إلا، أمَّا الثاني فيكون بتحقيق المصالح الأميركية والغربية واستغلال الحروب لتوسيع تجارة السلاح وإيجاد سوق استهلاكية لمنتجات الغرب الاستعماري، وسرقة ثروات بلاد يحتلونها أو أصبحت تحت الوصاية الأميركية والغربية.
خاتماً حديثه بأنَّه لابدَّ لكلِّ كاتب وباحث وإعلامي وفنان عربي من أخذ دوره في الدفاع عن الوطن وتوثيق البطولات والملاحم الأسطورية المُسطَّرة من قبل أبطال المقاومة بالدم والعرق والجهد حتى تقرأ الأجيال العربية حقيقة ما جرى من أحداث تاريخية وتتابع مسيرة الدفاع عن الوطن بروح المسؤولية.
الطليعة الواعية
من جهته الأديب عيسى إسماعيل اعتبر المثقفين الطليعة الواعية لأنَّهم أكثر حساسية وإدراكاً للأحداث وتقييمها، وقادرون بأساليبهم الثقافية المتنوعة خاصة في مجال الشعر والأدب أن يعلنوا رأيهم لأنه مرآة لرأي المجتمع، وما نشهده في أيامنا الراهنة من اعتداء غاشم وإجرامي لم يسبقه عدوان فظيع من قبل، بحيث فاقت جرائم «الصهيونية» مافعلته النازية.
إنَّنا نشهد ارتفاع أصوات المثقفين عبر وسائل الإعلام المتنوعة فزادت النشاطات الثقافية والأدبية على اختلافها، مؤكِّداً أنَّ دور الثقافة تُندِّد بالعدوان وتشحذ الهمم وتُوضِّح الصورة الموجودة على أرض الواقع، فالشعب الفلسطيني يحتلُّ الغريب أرضه، ويعيش منذ عام ١٩٤٨حالة حصار وتهديد وقتل ممنهج واعتقالات ومصادرة حقوق الأهالي، وقد انتفض بوجه معتدٍ آثم في عمل بطولي نادر أفقد «الصهاينة» صوابهم فراحوا يقتلون الأبرياء من الأطفال والنساء والكهول، ويقصفون المشافي ويسجنون ويستوحشون.
بينما أشار إلى أنَّ الكلمة اليوم تعادل الرصاصة ولاسيما إذا نُقلت بصدق عبر وسائل الإعلام وخاصة العالمية وكانت موضوعية فنشرت حقائق العدوان الفظيع، وحمّلت جزءاً من المسـؤولية للحكومات الأميركية والأوروبية الواقفة في صف المعتدي ضد الضحية، خاتماً بأنَّ الكلمة الموجزة والهادفة تنقل الحقيقة وبصدقها تصل إلى آذان العالم.
مرآة عصره
الأديبة أسمهان الحلواني أشارت إلى أنَّه في ظلِّ صمتٍ كبير اعتدنا عليه من الحكومات الدولية وبعض الحكومات العربية على حدٍّ سواء فيما يتعلق بالعدوان الإجرامي «الإسرائيلي» على غزة يبرز سؤال يفرض نفسه: أين دور المثقف في قراءته وانتفاضته للأحداث المزلزلة الغازية للحدث وأين خطابه من الخطاب العربي البارد وتوجهاته؟
لطالما كان المبدع مرآة عصره وتاريخاً تتوثَّق في كتاباته الأحداث المارّة على بلاده من وجهة رؤاه العاطفية أو الواعية الخبراتية، ولعلَّ ما يتركه من نتاج أصدق من العديد من الكتب الموثّقة لمرابح المنتصر لذا نتساءل: لماذا تقلب بعضها الموازين؟
الجواب: لأنَّه الثائر بكل عواطفه الجياشة والمستل لسلاحه الحبري واللوني والفارض لعنفوان نظرته ومفهومه لانتمائه وقضيته فما أحوجنا اليوم في ظل وسائل إعلام عالمية مضللة تجعل من أصحاب الحق والأرض والجذور إرهابيين يتمادون في مطالبهم الحقة، يستجرُّون وقوف العالم إلى جانب حقوقهم البديهية مع كل الممارسات الوحشية الصادرة عن «الصهاينة» من اغتصاب أمن وأمان وحياة طفولة غزة وتلقى التأييد الغربي؛ بينما يدفع أصحاب الطوفان ثمن عمليتهم الجريئة من أرواحهم ودمائهم واغتصاب ملكياتهم.
كما أشارت إلى حاجتنا لصرخة عالية لا يمكن أن تحرز صداها إلا إذا أتت مدوية بكلِّ وسائل الإبداع لتكون بصمة موغلة في صدق التفاعل تقف إلى جانب المقاومة والسلاح لإحقاق الحق ونصرة المظلوم قائلةً: لا أقصد البتة أن يتحوَّل كلَّ منَّا إلى محلل سياسي وقارئ للحدث؛ بل ممارسة النشاط العقلي الخطابي اللوني التشكيلي، واستنهاض همم متهالكة أصبحت تمرُّ أمامها الصور على الشاشات تعرض المحنة ولاتُحرِّك ساكناً، وإنَّ الصمت أصعب من مصائب الأهوال الواقعة على رؤوس الأبرياء في فلسطين ولابدَّ أن يكسر بفكر ونتاج المبدعين.
العدد 1167 – 14-11-2023