الثورة – رفاه الدروبي:
طرح كتاب الناقد والشاعر مفيد خنسة منهجاً نقدياً جديداً أسماه “النقد الاحتمالي في الشعر المعاصر” يحمل بين دفتيه ٤٤٠ صفحة من القطع الكبير، كان ضمن ندوة نقدية لجمعية النقد، حضرها أعضاء جمعية الشعر، وشارك فيها الشاعرة خديجة مرزان الحسن والدكتور عبد الله شاهر.
يستند المنهج الاحتمالي إلى منجزات علم الرياضيات، وخاصة جبر المنطق ونظرية الاحتمالات، فبدأ الكاتب بمقدمة نظرية، ثم ألحقها بدراسة تطبيقية على قصائد مختارة لشعراء سوريين معاصرين كانت في اتحاد الكتاب العرب.
استهلَّت الشاعرة الحسن حديثها بأنَّ الكتاب يتناول الشعر المعاصر في دراسة شاملة، وبعض نصوص من الشعر السوري المعاصر، ويُخصِّص الباحث بعضاً من الشعراء دون غيرهم، لافتة إلى أنَّه يشرح النص الشعري ويُبيِّن مقاصد الشاعر وما يرمي إليه بأسلوب مدروس ومشوّق، ويغني أفكاره بعبارات توضيحية مستفيضة، كما يُؤجِّج أحاسيس القصيدة بإضافات أدبية لها المعنى ذاته لكنَّه استحوذ على شحنات عاطفية جديدة من ذات الناقد وأحاسيسه، منوِّهةً بأنَّ الناقد يُفصِّل في شرح النص الشعري المدروس، ما يفسد متعة القراءة والاكتشاف، ولم يصل القارئ إلى مربط الفرس “النقد الاحتمالي” والتطبيق العملي لمنهجه الجديد.
وأوضحت الحسن في دراستها المطوَّلة بأنَّ الناقد يُحلِّل النص الشعري ويُنقِّب عن مظاهر الجمال في طيَّاته ويُفرز الاستعارات والتشابيه والمحسِّنات والصور، ويقوم بإحصائها في كلِّ قصيدة وجزئيَّة منها، مشيرةً بأنه يقدِّم منهجه التحليلي الرياضي بسلاسة، فكان يصدح بين السطور صوت الشاعر المتخفِّي وراء الرياضيات وليس العكس، إضافة إلى العديد من المعلومات والإضاءات الجديدة المفيدة.
بدوره الدكتور شاهر رأى بأنَّ الكتاب يعيد الحراك النقدي إلى الواجهة، ويفتح باباً واسعاً للنقاش لأنَّه طبَّقه على الأدب والشعر تحديداً نظرية الاحتمالات، مُكوِّنةً مجموعة مرتكزات أساسية في الرياضيات تربط الاحتمالات الهامشية بالشرطية، مُبيِّناً أنَّ الباحث حاول إسقاط النقد الاحتمالي على النص الشعري من خلال اختياره لمجموعة شعراء: كابراهيم عباس، ياسين أديب حسن، محمد حمدان، منير خلف، نزار بريك هندي، جهاد أحمدية، الدكتور راتب سكر، صقر عليشي، وفيق خنسة.
وتابع الدكتور شاهر بأنَّ الباحث قسَّم نصَّ القصيدة إلى ستة فروع، وكلّ منها إلى شعاب رئيسية وثانوية، بحيث غدت كلُّ جملة من القصيدة شعبة من الشعاب، ثم حدَّد لكلِّ فروعها عقدة تعتبر نقطة التوازن في القصيدة، باحثاً في المعنى بسياق وبنية التراكيب، ودرس المعاني والبيان والبديع، مؤكِّداً بأنَّ الباحث استفاد من علم المنطق في فهم القصيدة فهماً علمياً. أمَّا التطبيق عليها فلا يوجد مقارنات بينهما – حسب اعتقاده- وأعاد السبب بأنَّ النص الشعري ربُّما لا يكون منطقياً وإنَّما عبارة عن تهويمات مصدرها اللاوعي.
بينما تناول حديث الناقد والشاعر خنسة مضمون الكتاب فقال: إنَّ النقد الاحتمالي آلة قانونية للتفكير في تناول الفن عموماً والشعر خاصة، ويحتاج كل فن من الفنون إلى مصطلحات ومفردات ومفاهيم وتراكيب، ويعتمد في المنهج على أسس ويحاول أن يقارن بين علوم اللغة والمنطق والرياضيات، مشيراً أنَّه حاول طرح مجموعة من الأفكار لعلم المنطق موجودة لدى أرسطو ولو كانت أدوات الرياضيات ونظرية المجموعات موجودة كيف نعبِّر عن القضايا بأن تكون بسهولة ودقة ويسر.
ومثال سريع نقول: إن علامة التساوي أو عموم وخصوص مطلق أو عموم ووجهي أو تباين إنَّها في علم المنطق للأربعة يمكن توظيفها في الرياضيات، وعندما نقول: تقاطع وجهي يعني تقاطع في الرياضيات.
والسؤال الأساسي: ما مدى إمكانية تطبيق الرياضيات فعلاً بما نستفيد منه في الشعر وتنسحب النظريات العلمية إلى اللغة وإمكانية التطبيق، طارحاً أمثلة عن الجرجاني في كتاب التعريفات.