الثورة _ فؤاد مسعد:
قبل ثلاثة عشر عاماً من الآن أذكر تماماً كيف كانت تجري التحضيرات استعداداً لإقامة الدورة 19 من مهرجان دمشق السينمائي الدولي، ففي الشهر الأول من عام 2011 ناقشت اللجنة التنظيمية العليا للمهرجان الخريطة العامة للدورة الجديدة واعتمدت عبارة “دمشق تحتفي بمبدعيها” شعاراً لها، وحينها كان العمل قد بدأ مُبكراً أملاً بدورة تُحشد لها الإمكانيات والطاقات لتخرج بأفضل صورة.
كانت تُعقد دورات المهرجان في مثل هذه الأيام الخريفية من السنة، بين شهري تشرين الأول وتشرين الثاني، هي أيام عادة ما تُقتطع من الزمن لنعيش خلالها في عوالم تضج بما للسينما من سحر وألق وجمال، وفي ذلك الوقت كانت تشهد منطقة فندق الشام بصالتيه اللتين كانتا حينها قيد العمل وتُعرض فيهما أفلام “المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة” تظاهرات أساسية في المهرجان، ويضاف إليها عروض في صالات أخرى بما فيها “الكندي”، هو طقس يحمل بين طياته الكثير من الدهشة والحميمية والدفء، حتى أن وجود الفنانين السوريين والعرب والأجانب في بهو الفندق كان يعطي حياة مختلفة لتلك الأيام التي عادة ما كانت تمر مُسرعة.
هناك في المقهى يجلس الفنان حسين فهمي مع صحفيين يجرون لقاءاتهم معه، وفي صالة بالطابق الثاني من الفندق مؤتمر صحفي للنجمة كلوديا كاردينالي ومداخلة عبقة من الفنان جهاد سعد، في الممرات يلتقط معجبون الصور التذكارية مع نجوم سوريين وعرب وأجانب بمن فيهم ” كاترين دونوف، فرانكو نيرو، ريتشارد هاريسون، منى واصف، سلاف فواخرجي، سلمى المصري، سميحة أيوب، يحيى الفخراني، رغدا، نبيلة عبيد، إلهام شاهين، ميرفت أمين، صباح، نور الشريف، بوسي، يسرا..” وغيرهم الكثير.. أما في صالة عروض أفلام المسابقة فالمقاعد ملأى بالجمهور، وعندما يحين موعد الفيلم السوري فاعلم أن حشوداً تقف أمام الباب الخارجي للسينما لعلها تحظى بفرصة دخول، لأن الكثيرين متعطشون بشوق وحماسة لرؤية جديد السينما السورية، وفي الصالة تجد من افترشوا الأرض والأدراج لأنه لم يبقَ ممر لنسمة هواء.
وبعيداً عن هذا الصخب كان يهرب إلى مقهى الهافانا في خلسة عدد من النقاد والإعلاميين العرب الذين لم يلتقوا بعضهم البعض منذ زمن، فهي فرصة لتجدد الحوار خاصة عما شاهدوه من أفلام، وفي كواليس المهرجان تلمس عمل خلية نحل تواقة للنجاح من خلال عمل مستمر ودؤوب يتداخل فيه الليل مع النهار، وأذكر تماماً كيف كنا نعمل في نشرة المهرجان بشغف كبير لإنجاز مواد إعلامية تليق بمجلة يومية سيقرؤها الجمهور والضيوف العرب والأجانب.
تلك اللحظات كلها وبما تحمله من تعب وشغف ومتعة اشتقنا لأن نحيا تفاصيلها من جديد، لأنها تُنعش أرواحنا وتحفر عميقاً في الذاكرة والوجدان، وتترجم في واحدة من معانيها ما تمتلكه السينما من سمات تتفرد بها، ولا يعوض عنها أي شيء آخر. إلا أن الدورة 19 من المهرجان التي كان من المأمول إقامتها عام 2011 تم تعليقها آنذاك بسبب الأحداث المؤلمة التي جرت في سورية والحرب الهمجية التي شُنّت عليها، على أمل إقامتها فيما بعد، ولا يزال الأمل مستمراً، خاصة أن مهرجان دمشق السينمائي الدولي كان يحمل من السمعة الطيبة الكثير على مستوى المهرجانات العربية، حتى أنه كان يشكل سفيراً لسورية في كل العالم وعلى أكثر من مستوى.
وبعد مضي هذا الوقت كله يبقى السؤال مفتوحاً لنثيره من جديد كل مرة، هل عودة دفق الحياة إلى مهرجان دمشق السينمائي قريب؟ في الوقت الذي بات هناك العديد من المهرجانات المستحدثة في العديد من الدول العربية ومنها ما استطاع أن يحقق قفزات كبيرة نحو ترسيخ المكانة المتقدمة له، في حين أن مهرجان دمشق يمتلك تاريخاً عريقاً وأصيلاً ويستحق أن يوضع على خارطة المهرجانات من جديد بما يتوافق مع روح العصر.
