الثورة-غصون سليمان:
يأخذ العمل التطوعي أبعاداً شتى في منظومة العمل المجتمعي، فيشكل رافعة حقيقية للنهوض والانجاز البناء، دوافعه المحبة والغيرية والشعور بالمسؤولية.. وفي محيطنا الاجتماعي نرى الكثير ممن لهم ولهن بصمة خير وحنان وإنسانية تلامس قلوب المحتاجين من دون مقابل.
وإذا ما أردنا التعرف على بعض النماذج ندرك عن قرب بعض التفاصيل التي ذكرتها الدكتورة ندى الزين- بنت القيمرية- والتي تحمل شهادات متعددة في مجال التدريب على المهارات والسلوك وصعوبات التعلم والنطق والتأتأة، مع تركيزها على اختصاص التوحد.
ولأنها عاشقة لهذا البلد، فقد أسمت ابنتها الوحيدة “سورية”، وتطوعت لتقديم كلّ ما تملك من رصيد معرفي لما ذكر آنفاً لأطفال وأبناء هذا البلد، في المدارس والمؤسسات والنوادي الترفيهية، فهي لا تريد مالاً، وجل اهتمامها أن تفيد بما تعلمته وخبرته بتجاربها المختلفة أبناء الوطن جيل المستقبل.
في حديثها لـ “الثورة” ذكرت أنها عملت في عدة مراكز “كمنظمة آمال” وجمعيات مختلفة، وباجتهاد شخصي عملت على فتح مركز بالمهاجرين خاص بصعوبات التعلم، ومتابعة الطفل ما بعد المدرسة، للوقوف على بعض المشكلات التي تحدث في البيت والمدرسة، إلى جانب تعزيز مفهوم التعليم، والمهارات اليدوية الخاصة، فالأولاد من وجهة نظرها يعتمدون بشكل كبير على الأهل باعتبارهم مدللين لدرجة كبيرة عند البعض، بحيث لا يتكلفون ربما بحمل محافظهم.
أسلوب جديد
ومع استمرارها بهذا العمل اثني عشر عاماً، انتقلت إلى المرحلة الثانية للتعليم الذكي من خلال إحداثها لشركة “فناتير” لتكون الأولى في جميع المحافظات، وهو أسلوب جديد في التعليم المبكر عن طريق الأخشاب، وعملية تعتمد مبدأ “البزل” أي فك وتركيب اللوحات بأدوات وعدة شغل خاصة بالمفكات والعزقات، فعندما يقوم الأبناء والأطفال بهذه المهمة كأننا نقدم لهم قطعة سكر .وفق توصيف اختصاصية التوحد.
ولفتت الزين إلى أنه من خلال كورسات التدريب على المينتسوري، أسست ناد صغير بقيمة رمزية لا تتجاوز “المئتي ليرة “لاستقطاب اكبر شريحة من الأبناء والأطفال المحتاجين.
وتبين في هذا الإطار أن أبناءها الصغار الذين دربتهم وعلمتهم أصبحوا اليوم في الجامعات، منهم ثلاثة طلاب “توحد” أحدهم دكتور ويمارس المهنة بجدارة- حسب تعبيرها- واثنان يكملان الدراسة في الجزائر وفرنسا.
وإذا ما سألنا عن الصفات التي يتميز بها أشخاص التوحد تقول الزين: للأسف من خلال تجربتي وخبرتي في هذا المجال وجدت الكثير من الأهالي يخجلون من أبنائهم ما شكل لديهم عقدة، وهذا سلوك خاطئ بالمطلق حسب توصيفها، فطفل التوحد صحيح أنه يحب الجلوس لوحده، ولكن لا يعني ذلك أنه في حالة مرضية مزرية، مؤكدة أن أطفال التوحد لديهم قدرات خارقة منحهم إياها خالقهم عز وجل، مقابل ميزات حرمهم منها مثل عدم التركيز، ممارسة بعض العنف وفق سلوكيات متباينة، وبالتالي يجب على الأهل ألا يخجلوا من أبنائهم بمعنى سوف يكبرون بهم فهم مميزون وليسوا مرضى ،داعية إياهم وجوب إخراجهم مبكرا من هذه الحالة ودمجهم مع المجتمع.
تأثير بعض الألوان
وعن تأثير الألوان على حواس أفعالهم، أشارت إلى أن العين تستهوي بعض الألوان كالأزرق، والأحمر، والأخضر وغيرها، وهذه الألوان أول ما ننصح المحيطين بهذه الشريحة ممن لديهم توحد ألا يضعوها أمامهم أو يخففوا منها، لأنها تثيرهم، ما يدفعهم للهجوم والعنف وفق درجات عمرهم، لأن الألوان الصاخبة تلفت نظرهم بشكل باهر، فعلى سبيل المثال لا الحصر إذا ما أعطينا طفل التوحد “كيس شيبس لون سادة “فهو لا يعنيه شيئاً، على عكس كيس الشيبس الذي يحتوي اللون الأحمر فيسارع إلى فتحه وأكله والتهامه بشكل لافت، لأن لديه ثقة فيه، ولأن لديهم ميزة في تذوق الطعام.
ومما أشارت إليه الزين أنها لا تقدم أثناء اللعب للأطفال الذين تشرف عليهم، “الطابات” التي يغلب عليها اللون الأحمر، وإنما ذات الألوان الأبيض والأسود والألوان الهادئة، وبعدها بشكل تدريجي يتم إدخال الألوان الأخرى المختلفة.
تماسك المجتمع
وعن القيمة المجتمعية والرسالة الإنسانية لمفهوم التطوع تقول: إنه حالة جمالية للنفس ،وضرورة ثقافية واجتماعية لبناء تماسك المجتمع والنهوض به، وأنا كمدربة أعمل في هذا المجال انطلاقاً من حبي له، والأهم من خلال اختصاصي هو اكتشاف مواهب الأطفال والقدرات التي يتمتعون بها، لطالما لدينا شرائح وأنماط من الناس في جميع المحافظات نتواصل مع الأهل والأبناء ضمن مجموعات خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي.