ديب علي حسن ..
بداية يجب ألا نقع في فخ العنوان ونظن أن المقصود بذلك الجامعات السورية.. لا فالأمر كما سنرى هو ظاهرة عالمية ممنهجة، وربما تكون جامعاتنا هي الأكثر حرصاً حتى الآن على دورها التنويري.
وثمة أمر آخر يجب التنبه إليه أن مصطلح مثقف كثيراً ما التبس سابقاً واستخدمه العامة بمعنى المتعلم أو حامل السعادة العلميةً، لذلك كنا ومازلنا نسمع (فلان مثقف) أي حامل شهادة.
وهذا من المغالطات التي يجب التنبه إليها.. فالعالِمُ مهما كان- على حد تعبير سارتر وأدوار سعيد وغيرهما- ليس مثقفاً ما لم يتخذ موقفاً من قضية ما.. فالعالِمُ النووي ليس مثقفاً ما لم يكن له موقف من استخدامات الطاقة النووية ويحذر من استخدامها ضد البشرية.
إذا لم يتخذ موقفاً فإن المصطلح الذي يجب أن يطلق عليه اسم عالم تقني، فكم من مهندس أو طبيب أو … ليس لديه رؤى تنويرية..
هذا بالمحصلة يعني أنه ليس كل خريجي أو حاملي الشهادات مثقفين..
وبالتالي ليس المثقف بالضرورة حامل شهادات جامعية.
هذا المدخل لابد منه للدخول إلى السؤال التالي: لماذا غاب الدور التنويري للجامعات، وهل الأمر مقصود بحد ذاته؟ ومن فعل ذلك ولماذا..؟
وبالتالي هل فقدت الجامعات بريقها الثقافي؟
بكل تأكيد يلاحظ من تخرجوا في الجامعات السورية منذ أكثر من عقدين ونيف أن النشاط الثقافي والفكري كان على أشده في المهرجانات الأدبية والشعرية وحتى المسرح.. وكم من مبدع سوري يملأ الساحات هو خريج هذه النشاطات.
تذكرون ندوات ومؤتمرات كلية الآداب جامعة دمشق بكل أقسامها.. وندوات كلية التربية أو غيرهما من الكليات العلمية الأخرى.
هذا كله لم يعد كما كان، وبكل شفافية نقول: مازالت جامعاتنا هي الأكثر تفاعلاً مع المشهد الثقافي على الرغم من انعدامه على مستوى جامعات عالمية.
الأمر ليس عادياً أبداً، بل تنبه له الكثيرون ممن يبحثون في الدور التنويري والاجتماعي والفكري للجامعات، ويطرحون السؤال: لماذا تخلت الجامعات عن هذا الدور ولمصلحة من.. هل كانت وراء ذلك خطط ممنهجة تريد تسطيح التعليم، وبالتالي تمهد للقيم الاستهلاكية التي تعمل عليها الليبرالية الجديدة؟
هذا ما يمكن الحديث عنه في قادمات الأيام من خلال متابعة الكثير من الدراسات العالمية التي ناقشت هذه القضية.
ومقارنة بما تقدمه المعطيات العالمية مازالت جامعاتنا بخير كمؤسسات ثقافية تمثل إشعاعا فكريا وان كنا نريد أن تستعيد ألق ما كان.