الفرقة الفنية الشركسية على خشبة معرض دمشق الدولي إدريس مراد لـ “الثورة”: مشاركتنا حلم وتحقق

الثورة – حسين روماني:

في اللحظة التي ارتفعت فيها الموسيقا واصطفت الأقدام على إيقاع واحد، بدا أن معرض دمشق الدولي لا يفتتح أيامه بمعرض تجاري بقدر ما يفتتحه برقصة اليوم الخميس الثامن والعشرين من آب.. أربعون راقصاً شركسياً حملوا ذاكرة أجدادهم إلى خشبة المعرض، فأعادوا تعريف الجمهور بسوريا المتنوعة التي تعيش داخل تفاصيل فنونها.

الفرقة الفنية الشركسية التابعة للجمعية الخيرية الشركسية في قدسيا حضرت إلى المعرض وهي تحمل تاريخاً طويلاً من المشاركات، ورغم أن قوامها مئة راقص، اكتفت بأربعين راقصاً فقط بسبب المساحة المحدودة، مقدمةً خمس رقصات من صميم التراث الشركسي، المشهد كان لافتاً منذ البداية حركات متناغمة، أزياء مطرزة بدقة، وإيقاع صارم يفرض نفسه على الجمهور كما لو أنه يستدعي تاريخاً غائباً.

الكاتب والباحث إدريس مراد، الذي يقف خلف تنظيم المشاركة، تحدث لـ”الثورة” عن الأمر وكأنه إنجاز شخصي أيضاً: “هذا الجمع ما بين ألوان الثقافة السورية من خلال معرض دمشق الدولي.. نحن اليوم بحاجة إلى هذا الجمع، كان حلماً وتحقق على أرض معرض دمشق الدولي، وزارة الثقافة أعطتني المجال لأضع التراث السوري كله في هذا المكان أمام الجماهير”، بالنسبة له، لم يكن العرض مجرد رقصة على خشبة، بل استعادة لرؤية أراد أن تتحقق منذ سنوات، أن يرى الجمهور السوري صورته الحقيقية بتنوعها.

التراث الشركسي في قلب المعرض

من يراقب الرقصات الشركسية يدرك أن الجسد هنا يقوم بدور المغني، الثقافة الشركسية لا تعتمد على الغناء بقدر ما تحتفي بالحركة، إذ تصبح الرقصة لغة كاملة بحد ذاتها.

في “القافة” و”أوجبش” و”الزافا” وغيرها من الرقصات، يتكلم الجسد ببلاغة أكثر من الكلمات، فتتحول الحركات إلى سرد يومي يعكس حياة المجتمعات القديمة وعاداتها، الأزياء الملوّنة والرمزية تضاعف من تأثير المشهد، فيما ينساق الجمهور سريعاً إلى التصفيق والإيقاع.

وليس غريباً أن تكون الفرقة حاضرة في هذا اليوم، فهي واحدة من أكثر الفرق نشاطاً في البلاد، شاركت في جميع دورات “قوس قزح سوريا”، وقدمت حفلات في مدن سوريّة عدة وخارج البلاد أيضاً، هذه التجربة الواسعة منحتها قدرة على جذب الانتباه وتقديم عرض متماسك، بدا فيه كل تفصيل محسوباً بدقة.

دلالات المشاركة

تكتسب المشاركة قيمتها من الرسالة التي تحملها، إدريس مراد يرى أن تعريف السوريين بتنوع ثقافتهم إنجاز قائم بذاته، قائلاً: “المهم نعرف العالم اليوم بأكثر مكان قصده الناس على التراث السوري الحقيقي من دون تشويش” في رأيه، لا يعرف كثير من السوريين ثراء البيئات التي تكوّن بلدهم، وأن المعرض الدولي شكّل منصة مثالية لإعادة تقديم هذه الصورة.

المعرض هنا لم يعد مناسبة تجارية أو احتفالية فقط، بل مساحة لإعادة تعريف الهوية السورية كجغرافيا من الثقافات المتعددة.

المشهد الثقافي في دمشق احتاج إلى هذه اللحظة، إذ بدا واضحاً أن الرقص لم يكن مجرد فاصل فني، بل هو إعلان رمزي عن أن البلاد تستعيد نفسها عبر فنونها، معرض دمشق الدولي، بما يحمله من رمزية، فتح الباب أمام لقاء لا يقتصر على الاقتصاد والسياسة، بل يتجاوزهما إلى الفن والذاكرة.

في تفاصيل العرض

العرض حمل ما هو أبعد من الاستعراض، أربعون جسداً يتحركون كأنهم كتلة واحدة، يملؤون المسرح بحضور مضاعف، فيما الجمهور انجذب بصدق إلى الحركات التي تستعيد الذاكرة الجمعية.

بعض الحضور اكتفى بالتصوير، وآخرون شاركوا بالتصفيق، لكن الانطباع العام كان أن هذه الرقصة تعيد فتح كتاب قديم لسوريا لم يعرفه كثيرون.

تستند الموسيقا الشركسية إلى آلات تمنحها خصوصيتها، الأكورديون المعروف باسم “بشِنَه” يقود اللحن، فيما يقدم “شكابشِنِه” نغمة كمان بدائية مشغولة من خشب وشعر ذيل الخيل، الناي “قاميِل” يضيف صوته العميق، وترافقه آلات نفخية مثل “نَقِيرِه” و”بزْشامي”، الإيقاع يُشدّد بالطبل “بارابان” أو “شونتريب”، وبخشبات اليد المسماة “بِخاتشِتش”، أحياناً يظهر العود الشركسي “آبا- بشِنَه” أو القِربة “فِند- بشِنَه”، لتكتمل فسيفساء الأصوات التي تجعل الرقص أكثر التصاقاً بالحركة من الغناء، هذا المزج بين النفخ والإيقاع والوتر هو ما يحوّل الرقصة إلى حكاية حيّة أمام الجمهور.

إدريس مراد لخص التجربة ببساطة: “أعتبر ذلك إنجازاً”. كلماته لم تُنهِ الحلم بل فتحت أبواباً أخرى، كأن المعرض ليس غاية بل بداية لمرحلة جديدة، تصبح فيها العروض التراثية جزءاً من صورة سوريا في حاضرها ومستقبلها. في هذه الليلة، بدا أن الرقص الشركسي لم يقدّم عرضاً فقط، بل قدّم درساً في معنى أن تكون البلاد غنية بتنوعها، وقوية بذاكرتها التي لا تنضب.

آخر الأخبار
قادمة من ميناء طرابلس..الباخرة "3 TuwIQ" تؤم  ميناء بانياس "الزراعة الذكية"  للتكيّف مع التغيرات المناخية والحفاظ على الثروات   "التربية والتعليم": مواءمة التعليم المهني مع متطلبات سوق العمل إجراءات خدمية لتحسين واقع الحياة في معرّة النعمان من قاعة التدريب إلى سوق العمل.. التكنولوجيا تصنع مستقبل الشباب البندورة حصدت الحصّة الأكبر من خسائر التنين في بانياس  دعم التعليم النوعي وتعزيز ثقافة الاهتمام بالطفولة سقطة "باشان" عرّت الهجري ونواياه.. عبد الله غسان: "المكون الدرزي" مكون وطني الأمم المتحدة تحذِّر من الترحيل القسري للاجئين السوريين الجمعة القادم.. انطلاق "تكسبو لاند" للتكنولوجيا والابتكار وزير العدل من بيروت: نحرز تقدماً في التوصل لاتفاقية التعاون القضائي مع لبنان "الطوارئ" تكثف جهودها لإزالة مخلفات الحرب والألغام أردوغان: اندماج "قسد" بأقرب وقت سيُسرّع خطوات التنمية في سوريا "قصة نجاح".. هكذا أصبح العالم ينظر إلى سوريا علي التيناوي: الألغام قيد يعرقل عودة الحياة الطبيعية للسوريين مدير حماية المستهلك: تدوين السعر مرتبط بالتحول نحو مراقبة السوق الرابطة السورية لحقوق اللاجئين: مخلفات الحرب تعيق التعافي "تربية حلب" تواصل إجراءاتها الإدارية لاستكمال دمج معلمي الشمال محافظ إدلب يلتقي "قطر الخيرية" و"صندوق قطر للتنمية" في الدوحة "تجارة دمشق": قرار الاقتصاد لا يفرض التسعير على المنتجين