ثقافة الماضي والحاضر .. الشعر أنموذجاً

الملحق الثقافي- محمد خالد الخضر:
الثقافة هي بكل ما تحمله من معان ومكونات ومصطلحات تدل على بنية المجتمع وبيئته ومحيطه وشخصيته، وقدرة هذا المجتمع على الدفاع عن نفسه وحماية منظوماته بأشكالها وأنواعها وأهمها القيم التي يعتز بها.
وإذا أردنا أن نقارن بين ثقافة الماضي وثقافة الحاضر.. فلابد لنا من تحليل معنى كافة المفردات التي نستخدمها، وأهمها التقليدية، والإبداع والحداثة، والموهبة .. لأننا من المفترض أن نكون على غاية الأمانة المطلقة في التعامل مع الثقافة بصفتها صورة المجتمع وشخصيته.
إن الثقافة في الماضي كان أكثرها حضوراً وتعبيراً عن المجتمع هو الشعر والشعر جاء معبراً ومكوناً من شخصيات موهوبة تقوله بالفطرة، فكان حضورها قوياً ولامعاً وكان أي مجتمع يقيم الأفراح عندما يكتشف ولادة موهبة شعرية عندها .. ولا يمكن أن تطلق أي صفة على الشعر غير الموهبة، وليس بمقدورنا أن نطور البنية الشعرية إلا إذا اكتشفت موهبة أكثر قوة وأشد صعوبة في التركيب وأكثر جمالاً في الشكل.
وإذا قرأنا لامية العرب للشنفرى وأخذنا منها:
وكل أبي باسل غير أنني
إذا عرضت أولى الطرائد أبس
وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن
بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل
القيم التي تمسك بها وتحلى بها شاعر صعلوك في عصر الصعاليك وهي مقدسة غير قابلة للتغيير ولا للتطور، فهو يعتبر الشجاع يجب أن يكون في المقدمة عند الخطر .. ولا يجوز للشجاع إلا أن يكون كريماً فلا يمد يده أولاً للطعام .. وكانت هذه الجاليات بعاطفة نبيلة كتبت منظومة على البحر الطويل الصعب وجاءت سهلة ممتنعة .. فلا يمكن أن تخضع لتغير وإن كنا نسمي التعامل معها بنص حداثة متطورة فلابد من تجاوز البينة القوية للتركيب النصي وأن يكون التطور أكثر قوة .. وإلا أي حداثة ليست بالضرورة تطورا وقد تنعكس سلبا في كثير من الأحيان.
والمثقف الشاعر في الماضي كان غالباً يعتز بحماية أهله وعرضه وكرامته ويكون في أول المقاتلين وهذا عنترة العبسي يقول:
دعوني أوفي السيف بالحرب حقه
وأشرب من كأس المنية صافيا
فمن قال إني سيد وابن سيد
فسيفي وهذا الرمح عمي وخاليا
هذه الأبيات التي ارتجلها عنترة في جو المعركة تعبر عن القيمة للكرامة والشجاعة وكتبت أيضاً على البحر الطويل الذي يعتبر من أصعب البحور هي والتي كتبها الشنفرى هل تجاوزها شاعر بالتعبير عن الشجاعة لا أعتقد ومن الصعب جداً .. فالقصيدة في أجواء المعركة تختلف عنها في المقهى مع (النارجيلة) أو سواها.
ونخرج إلى إطار الحالة الاجتماعية والإنسانية وإلى قول طرفة بن العبد:
عن المرء لا تسأل وأبصر قرينه
فكل قرين بالمقارن يقتدي
أليس المعنى حاضراً وضرورياً التمسك به .. هل استطاع شاعر حديث أن يسابق هذا المعنى وعندما جرت محاولات تمكن أحمد الصافي النجفي أن يأتي بمثله لأنه موهوب وجاء المعنى بشعر الشطرين وعلى تفعيلة البحر الكامل فقال:
انظر لخصمي تعترف بمكانتي
فترى علائي من وضيع مقامه
فالمرء إن تجهله تعرف قدره
من صحبه حينا ومن أخصامه
هذه أبيات من موهبة حقيقية جاءت على عواطف وأسس البحر الكامل ..وعندما بدأت عملية الحداثة لم تكن بوسائل متطورة رغم جمالها أحياناً وقوتها أحياناً فما جاء به نزار قباني على سبيل المثال قصيدة حبلى لقد أخذ من البحر الكامل تفعيلة واحدة ولم يأتي من خارج بحور الشعر بشيء فهو من نفس المنظومة الشعرية إلا أن الكتابة على تفعيلة واحد أبسط وأسهل من الكتابة على بحر بكامله فقوله:
لاتمتقع
هي كلمة عجلى
إني أشعر أنني حبلى ..
ليست أجمل من قوله :
سارت معي والشعر يلهث خلفها
كسنابل تركت بغير حصاد
إلى قوله :
ودمشق أين تكون قلت : ترينها
في تينك العينين بعد رقاد
أما الشاعر مظفر النواب رغم قدرته الجمالية كانت نصوصه الجميلة منوعة التفعيلات، وهذا سهل على الشاعر فزاد في قصيدته القدس عروس عروبتكم أكثر من تفعيلة ومن أكثر من بحر فكانت في المقطع الأول / فاعلن ومستفعلن وجوازها مفتعلن فقال:
القدس عروس عربتكم
فلما أدخلتم كل زناة الليل إلى حجرتها.
وعندما صعب التعامل مع التفعيلات راح الكتاب إلى شكل آخر فلماذا لا نسمي الجماليات بمسمياتها، فالأحنف بن قيس كان في عصور كما سماها بعضهم جاهلية وذكره ثابت وهو الذي قال عندما قال له خصم: لئن قلت واحدة لتسمعن عشرا. فقال: لكنك إن قلت عشرا لم تسمع واحدة.
وقيل إن رجلاً قال للأحنف: بم سدت؟ وأراد أن يعيبه، قال الأحنف: بتركي ما لا يعنيني، كما عناك من أمري ما لا يعنيك.
ما اسم هذا النوع من الأدب ؟!
وقفوا عندما قاله الإمام علي كرم الله وجهه: (لا يدفع الشر إلا بالشر .. ردوا الحجر من حيث أتى)
وقوله في الشعر:
اصبر قليلاً فبعد العسر تيسير .. وكل أمر له وقت وتدبير
وهل هناك في المحبة أجمل مما قاله حسان بن ثابت للنبي محمد حتى اليوم:
وأجمل منك لم تر قط عيني .. وأحلى منك لم تلد النساء
خلقت مبرأ من كل عيب .. كأنك قد خلقت كما تشاء
وهنا أختم بسؤال هل هناك من يسمى بشاعر وهو خارج كل أسس هذه التسمية لم يشجعه الغرب ويعطيه الجوائز ويكرمه ويورطه بالمطالبة بالسلام مع الكيان الصهيوني .. لا أعتقد .. ونحن ننتظر حداثة متطورة وهذا حق الثقافة.
لا تتركوا أصالتكم لأن غيركم سوف يسرقها ويلقي لكم بفضلاته.
                           

العدد 1171 – 12 -12 -2023 

آخر الأخبار
السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس معبر جديدة يابوس لا يزال متوقفاً.. و وزارة الاقتصاد تفوض الجمارك بتعديل جمرك التخليص السبت القادم… ورشة عمل حول واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة وآفاق تطويرها مدير "التجارة الداخلية" بالقنيطرة: تعزيز التشاركية مع جميع الفعاليات ٢٧ بحثاً علمياً بانتظار الدعم في صندوق دعم البحث العلمي الجلالي يطلب من وزارة التجارة الداخلية تقديم رؤيتها حول تطوير عمل السورية للتجارة نيكاراغوا تدين العدوان الإسرائيلي على مدينة تدمر السورية جامعة دمشق في النسخة الأولى لتصنيف العلوم المتعدد صباغ يلتقي قاليباف في طهران انخفاض المستوى المعيشي لغالبية الأسر أدى إلى مزيد من الاستقالات التحكيم في فض النزاعات الجمركية وشروط خاصة للنظر في القضايا المعروضة جمعية مكاتب السياحة: القرارات المفاجئة تعوق عمل المؤسسات السياحية الأمم المتحدة تجدد رفضها فرض”إسرائيل” قوانينها وإدارتها على الجولان السوري المحتل انطلقت اليوم في ريف دمشق.. 5 لجان تدرس مراسيم و قوانين التجارة الداخلية وتقدم نتائجها خلال شهر مجلس الشعب يقر ثلاثة مشروعات قوانين تتعلق بالتربية والتعليم والقضاء المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات لقوات العدو في عدة مواقع ومستوطنات “اللغة العربيّة وأثرها في تعزيز الهويّة الوطنيّة الجامعة”.. ندوة في كلية التربية الرابعة بالقنيطرة