التلوث النفطي في المنطقة الشرقية.. إجرام انتقل من دمار وتخريب المنشآت إلى قتل الأبرياء والحياة

تحقيق _ معد عيسى _ اخلاص علي:

جاءت سورية ضمن قائمة الدول العشرين الأكثر تلوثاً للهواء في العالم وفقاً ل Iqair (مراقب جودة الهواء الداخلي) حيث تخطى مستوى الجسيمات الدقيقة في الهواء المستوى السنوي المحدّد من قبل منظّمة الصحّة العالميّة وهو ما يتسبّب في ارتفاع نسبة الأمراض المزمنة كسرطان الدم لدى الأطفال.
طبعاً ترتيب سورية في قائمة الدول جاء متأخراً ربما لأن كل الدول العربية الواردة في التقرير نفطية باعتبار أن التلوث يرتفع بشكل كبير في محيط حقول النفط والغاز وبالتالي يعرّض السكان الذين يعيشون بجانب تلك المواقع إلى أمراض مزمنة كثيرة كأمراض القلب والسكريّ والانسداد الرئويّ المزمن وسرطان الرئة، إضافة إلى زيادة خطر الإصابة بالفيروسات التي لها تأثير على الجهاز التنفسيّ.
ارتفاع نسبة تلوث الهواء قرب آبار النفط والغاز وحقولها في سورية ليس ناتجاً بنسبة كبيرة منه عن استخراج النفط والغاز ونقله وإنما بسبب الاعتداءات الإرهابية على مواقع النفط وحرق الآبار وتفجير خطوط نقل الغاز والنفط وهذا يشابه إلى حد كبير الوضع في العراق التي تصدّرت القائمة في التلوث بسبب الاعتداءات الإرهابية وقصف آبار ومنشآت القطاع النفطي.

48 حالة تسرّب نفطي
قبل الحديث عن الآثار التي نتجت عن تلوث الهواء بسبب استهداف القطاع النفطي في سورية من قبل المجموعات الإرهابية المسلحة وما سُمّي بقوات التحالف الدولي لا بدّ من الحديث عن حجم الدمار الذي لحِق بقطاع النفط في سورية لتقدير حجم الضرر.
تعرّض قطاع النفط والغاز في سورية للاستهداف الممنهَج من قبل المجموعات الإرهابية، وقد شملت الاعتداءات آبار إنتاج النفط ومحطات التجميع ومعامل الغاز وخطوط نقل النفط والغاز وكان الهدف من ذلك قطع إمدادات الغاز والفيول عن محطات توليد الطاقة الكهربائية.
وبيّن مدير العمليات في المؤسسة العامة للنفط المهندس محمد الغزالي أن الاستهداف لقطاع النفط كان كبيراً واستمر لسنوات وطال عدة مرات ما تم إعادة تأهيله وإصلاحه، حيث تعرّض خط الغاز العربي ( 36 إنشاً) حوالى /5/ مرات للتخريب وخط غاز العمر 18 إنشاً وخط غاز الجبسة 16 إنشاً تعرّض لاعتداءات إرهابية متكررة حوالى /21/ حادثاً، وخط غاز الشاعر الممتد من محطة الشاعر إلى معمل غاز إيبلا (حوالى 12 حادثاً).
وتابع الغزالي: طبعاً كما خطوط الغاز تعرّضت خطوط نقل النفط الثقيل من محطة تل عدس في محافظة الحسكة إلى محطة دخل حمص إلى أكثر من ألف اعتداء إرهابي أدى إلى خروج الخط عن الخدمة وتوقّف ضخ النفط اعتباراً من العام 2013 كما تعرّضت منظومة نقل النفط الخفيف إلى اعتداءات إرهابية وتفجير للخطوط تجاوزت عشرات مرات وتوقف ضخ النفط اعتباراً من منتصف العام 2014 وبلغت إجمالي حالات التسرّب النفطي حوالى 48 حادثة أدت إلى تلوث البيئة الزراعية والبحرية.

تدمير المنشآت
لم يقتصر التدمير على خطوط نقل النفط والغاز وإنما امتد إلى المنشآت حيث تم استهداف معمل غاز السويدية ومحطة شرق خربت ومحطة السويدية الثانية بضربات جوية من قبل الطيران التركي بتاريخ 23/11/2022، مما أدى لخروج محطة السويدية عن الخدمة ونشوب حريق وتضرر المعدات وتكرر العدوان التركي على محطة غاز السويدية ومحطة غاز عودة بتاريخ 6/10/2023 وأدى إلى أضرار في المعدات وخسارة كميات من الغاز المنزلي والغاز النظيف والمتكاثفات، كما تعرّضت محطة الشاعر إلى اعتداءات متكررة، كان آخرها كان بتاريخ 4/5/2016، أيضاً تم الاعتداء على معمل غاز جنوب المنطقة الوسطى من خلال استهدافه بالقذائف الصاروخية من قبل المجموعات الإرهابية كان آخرها بتاريخ 21/12 /2019 مما أدى إلى اشتعال النيران في وحدات إنتاج الغاز المنزلي و خروج الوحدات عن الخدمة ، الاعتداء على محطة المهر الغازية التابعة لشركة حيان للنفط كان أبرزها بتاريخ 30/10/2014 وأدى إلى تدميرها بشكل كلي كما جرى اعتداء آخر على محطة المهر من قبل المجموعات الإرهابية بتاريخ 7/5/2016، الاعتداءات شملت أيضاً حقول ومحطة الشاعر العائدة لشركة إيبلا للنفط كان آخرها بتاريخ 4/5/2016، إلا أن الاعتداء الأكبر كان على معمل غاز حيان والآبار العائدة لشركة حيان للنفط جحار/2-6-7-9-12- 10/ وجزل 1+3 ومحطات التجميع والتي تعرضت لاعتداء إرهابي في عام 2017 أدت إلى احتراق الآبار النفطية وتدمير معمل غاز حيان بالكامل وخروجه عن الخدمة.

90 حادثة حرق لآبار النفط والغاز
وحول عدد الآبار التي تم استهدافها وحرقها قال الغزالي: وصل عدد الآبار التي تعرضت لحوادث الاحتراق إلى حوالى 90 حادثاً نتيجة اعتداءات المجموعات الإرهابية المسلحة وسرقة النفط الخام منها بطرق بدائية وكان آخرها بئر الصقر /1/ بتاريخ 10 /11/2020، إضافة إلى استهداف بعض الآبار من قبل طيران التحالف الغربي، وقد تمت معالجة وإخماد الحرائق في جميع الحوادث السابقة من قبل.

716274 متراً مربعاً من التراب الملوث

وأوضح الغزالي أن الاعتداءات الإرهابية أدت إلى تسرّب حوالى / 18000000/ ثمانية عشر مليون متر مكعب غاز وخسارة حوالى /7400/ طن غاز منزلي وتسرّب حوالى /11800/ برميل نفط ، /1200/ طن كوندنسات من مختلف خطوط نقل الغاز والنفط، وبلغت مساحة التربة الملوثة نتيجة التسرّبات النفطية حوالي /716274.7/ م2 في مختلف الحقول النفطية والغازية.

حرّاقات النفط تقتل
طبعاً ما سبق توثيقه من اعتداءات مباشرة وكبيرة من قبل الجهات الرسمية رافقه آلاف الاعتداءات الصغيرة والفردية والمحلية من المجموعات الإرهابية والأفراد بهدف سرقة النفط وتكريره بطريقة بدائية، حيث لجأت المجموعات الإرهابية والمجتمعات المحلية في المناطق التي خرجت عن السيطرة إلى المصافي البدائية (الحرّاقات) لتكرير النفط واستخلاص المشتقات النفطية وقد سبّبت هذه الحرّاقات تلوثاً كبيراً للتربة والمياه وقتل المئات من الأشخاص نتيجة الحرائق التي نتجت عن تكرير النفط بشكل بدائي.

التلوث النفطي يرفع الأرقام
زيادة في حالات السرطان وأمراض الدم والجلد.. ونفوق وإجهاض للمواشي وتراجع للمساحات الزراعية ظهرت آثار التلوث النفطي في المنطقة الشرقية بسبب الاعتداءات الإرهابية على القطاع النفطي على كل أشكال الحياة، وفي المحصلة على صحة الإنسان حيث كثُرت حالات السرطان وتشوّه الأجنّة وأمراض جهاز التنفس، وسنحاول في المادة التالية تسليط الضوء على هذا الأمر في محافظة دير الزور، مع العلم أن الضرر أكبر بكثير في محافظة الحسكة بوجود عدد أكبر من المواقع النفطية وانتشار المصافي البدائية (الحرّاقات) بشكل كبير حيث قُدّر عددها حسب تقرير لصحيفة الاندبندنت ما بين 10 آلاف و 15 ألف حرّاق، وطبعاً تغيب الأرقام الرسمية عن معظم مناطق محافظة الحسكة بسبب سيطرة عصابات “قسد” على مساحات كبيرة وكذلك وجود القواعد الأميركية، ولذلك نسلّط الضوء على محافظة دير الزور فقط.

  انتشار الأمراض
القطاع الصحي في محافظة دير الزور دفع ولا يزال فاتورة كبيرة لعلاج حالات السرطان الناتجة عن التلوث النفطي، وحول هذا الموضوع تحدث مدير صحة دير الزور الدكتور بشار شعيبي لـ “الثورة” أنه بعد خروج مناطق واسعة من المحافظة خارج سيطرة الدولة بسبب الحرب انتشرت حرّاقات النفط البدائية في ريف المحافظة بشكل كبير للحصول على مشتقات النفط كما أدى التلوث الناجم عن عمل الحرّاقات إلى تأثيرات سلبية على البيئة المحيطة بهذه الحرّاقات حيث انتشرت الغازات السامّة المنبعثة مع أعمدة الدخان وهطول أمطار مشبّعة بمواد سامة أثّرت على التربة والمحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية وانعكس ذلك على قطاع الصحة ما شكّل تهديداً مباشراً على صحة الأهالي الذين يعيشون في المنطقة فقد أدى تراكم هذه السموم في جسم الإنسان إلى ظهور أمراض الجلد والدم والأورام.

وتابع الشعيبي أنه خلال الفترة الماضية لا يوجد إحصائيات دقيقة حول انتشار هذه الأمراض وحتى في الوقت الحالي أيضاً لذلك لا يمكن إجراء عملية مقارنة أو إحصاء لها وخاصة في المناطق التي خارج سيطرة الجيش العربي السوري.

1235طفلاً بقيود الجمعية السورية لعلاج سرطان الأطفال
بدوره مدير فرع الجمعية السورية لعلاج سرطان الأطفال ورعايتهم c.c.s مرعي العواك قال لـ “الثورة” لا يمكن تقديم رقم لعدد المصابين بالسرطان في المحافظة لأن أغلبهم يتوجّه إما إلى حلب أو إلى دمشق وبعض المحافظات الأخرى.
وتابع العواك: بالنسبة للجمعية فهي تعمل في مجال علاج أورام الأطفال وأمراض الدم وتقدّم ما يتطلّب لعلاجهم بشكل مجاني و تقديم الرعاية الطبية والنفسية والتعليمية والنشاطات الترفيهية وذلك من خلال برامج متطورة لتأهيلهم ودمجهم في المجتمع مع باقي الأطفال الأصحّاء وإنشاء مراكز متخصصة لهم ومحاولة تأمين الأدوية الكيماوية اللازمة لعلاجهم ونشر الوعي الصحي والبيئي للاهتمام بالطفل وقد بلغ عدد الأطفال المسجّلين في قيود الجمعية بكل المحافظات ١٢٣٥.

تزايد في عدد المرضى
من جهته مدير مركز الأمل الطبي لعلاج الأورام الدكتور عبد المطلب مجيد آغا- اختصاصي الجراحة العامة وجراحة الأورام، أكد أن محافظة دير الزور تسجّل أعداداً متزايدة للإصابة بمرض السرطان بمختلف أنواعه، ولكن لم يثبت حتى اللحظة دور التلوث البيئي من عدمه بارتفاع حالات السرطان لأن هذا الأمر يحتاج دراسات ومراكز متطورة وسنوات عمل طويلة لنحصل على نتيجة دقيقة وموثوقة تدخل عليها نظام الإحصاء الطبي.
أما بالنسبة للإصابات فقد تنوعت في مركز الأمل الطبي لعلاج الأورام التابع للجمعية السورية لعلاج سرطان الأطفال ورعايتهم بين الابيضاض اللمفاوي والنقوي الحاد إلى أنماط متنوعة من سرطانات الطفولة منها النفرويلا ستوما (سرطان الكلية) ونوروبلاستوما (سرطان العرف العصبي) وساركوما الأنسجة الرخوة وسرطان المعدة والقولون والمستقيم والرئة.

وكانت الحصة الأكبر لسرطان الثدي بأنواعه المختلفة للكبار ويليها الساركوما ثم سرطان المستقيم، حيث بلغ عدد الأطفال المسجلين في دير الزور ٣٥ طفلاً و١٥٧ كبيراً في المركز.

“أنهار الموت”
كما قلنا التلوث النفطي أصاب كل أشكال الحياة ولاسيما القطاع الزراعي بشقّيه النباتي والحيواني، وقال مدير زراعة دير الزور المهندس ظافر السليمان لـ “الثورة” التلوث النفطي ترك أثراً كبيراً على القطاع الزراعي ولُوحظ تراجع المردود الزراعي بنسب عالية جداً، كان أبرزها في المناطق القريبة من الحرّاقات (مصافي النفط البدائية) والمناطق المجاورة لمنابع النفط أو الأنهار الملوثة بالنفط بفعل الانسكابات النفطية في جوارها حيث تحولت إلى ( أنهار الموت) بفعل النفايات الناجمة عن عمل هذه الحراقات والانبعاثات الغازية.
وأوضح السلمان أن الحرّاقات توزعت على مساحة واسعة من الأراضي الزراعية في بيئة اجتماعية يعتمد سكانها على الزراعة وتربية المواشي وكذلك وجود نهر الفرات الذي أصبح بؤرة لصب مخلفات النفط فيه، الأمر الذي أدى الى مزيد من التلوث، إلى تراجع في المساحات المزروعة إضافة إلى تراجع خصوبة التربة الزراعية وانخفاض المردود الزراعي ما دفع السكان للتخلي عن هذا النشاط
وبيّن السلمان أن الحرّاقة الواحدة تشغل وسطياً مساحة ٥ دونمات من الأرض، وبسبب الارتفاع الكبير في أعدادها فإن مجموعها يحتل مساحات كبيرة يستحيل وجود حياة نباتية أو حيوانية فيها نتيجة الانتشار الكثيف لبقع النفط والأبخرة والحرارة المرتفعة وحتى مع انتهاء عمل الحراقة في المكان فإن التربة تتحول إلى عقيمة غير صالحة للزراعة.

نفوق وإجهاض المواشي
وحول تأثير التلوث على الثروة الحيوانية قال السلمان: تأثير الحرّاقات ومفرزات عملها السميّة بدَت واضحة من حيث انخفاض المردود الحيواني بشكل عام ما أثر في تربية الماشية ثاني نشاط اقتصادي بعد الزراعة في دير الزور.
وأشار السلمان إلى التحديات الناجمة عن التلوث الناتج عن عمل الحرّاقات وفي جوارها بتحديين، الأول: هو عزوف أغلب مربي الماشية عن هذه المهنة وعملهم في الحراقات لأنها كانت من المشاريع التي تدرّ أرباحاً يومية أو أسبوعية مضمونة متناسين خطر الانبعاثات البترولية وتأثيرها على المواشي، حيث حدثت حالات إجهاض كثيرة بين المواشي وتغير بعض سلوكها مثل النفور من مواليدها نتيجة تغيّر لون المواليد من الأدخنة أو البترول الخام، ما دفع بعض المربين إلى إبقاء مواشيهم في الحظائر بزيادة التكاليف والأمراض وارتفاع معدل الحيوانات النافقة في قطعانهم نتيجة شرب مياه ملوثة بالنفط أو سقوطها المباشر في برك نفطية.

آخر الأخبار
السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس معبر جديدة يابوس لا يزال متوقفاً.. و وزارة الاقتصاد تفوض الجمارك بتعديل جمرك التخليص السبت القادم… ورشة عمل حول واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة وآفاق تطويرها مدير "التجارة الداخلية" بالقنيطرة: تعزيز التشاركية مع جميع الفعاليات ٢٧ بحثاً علمياً بانتظار الدعم في صندوق دعم البحث العلمي الجلالي يطلب من وزارة التجارة الداخلية تقديم رؤيتها حول تطوير عمل السورية للتجارة نيكاراغوا تدين العدوان الإسرائيلي على مدينة تدمر السورية جامعة دمشق في النسخة الأولى لتصنيف العلوم المتعدد صباغ يلتقي قاليباف في طهران انخفاض المستوى المعيشي لغالبية الأسر أدى إلى مزيد من الاستقالات التحكيم في فض النزاعات الجمركية وشروط خاصة للنظر في القضايا المعروضة جمعية مكاتب السياحة: القرارات المفاجئة تعوق عمل المؤسسات السياحية الأمم المتحدة تجدد رفضها فرض”إسرائيل” قوانينها وإدارتها على الجولان السوري المحتل انطلقت اليوم في ريف دمشق.. 5 لجان تدرس مراسيم و قوانين التجارة الداخلية وتقدم نتائجها خلال شهر مجلس الشعب يقر ثلاثة مشروعات قوانين تتعلق بالتربية والتعليم والقضاء المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات لقوات العدو في عدة مواقع ومستوطنات “اللغة العربيّة وأثرها في تعزيز الهويّة الوطنيّة الجامعة”.. ندوة في كلية التربية الرابعة بالقنيطرة