الثورة _ هفاف ميهوب:
“قد تتوجّه إلى الشاطئ، وتأمر أمواجه المرتفعة بأن تخفض ارتفاعها.. يمكنك أيضاً أن تسأل ذئباً لمَ جعل نعجة تبكي، عند افتراسه لحمها.. يمكنك فعل كلّ شيءٍ صعب، لكنك لن تستطيع جعل قلب اليهودي يلين”…
كلماتٌ قالها رائد الأدب والشعر والمسرح الإنكليزي “وليم شكسبير” في القرن السادس عشر، وفي رائعته “تاجر البندقية”.. قالها من دون أن يفكّر أو حتى يهتم، بمقدار الكراهية التي ستحملها له الصهيونية العالمية لاحقاً.. لم يفكّر أو يهتم بمن سيحقد عليه، لأن كلّ ماكان يهمّه، كشف ما رآه متداولاً ومعروفاً، عن شخصية شايلوك الغارقة في جشعها وأنانيّتها وحقدها وإجرامها.
لهذا تكره الصهيونية “شكسبير” الذي أبهر العالم بمسرحياته، والذي يعرفه ويحفظه طلاب الأدب الإنكليزي في كلّ جامعات العالم..
لهذا تكرهه وتحقد عليه بطريقةٍ، دفعتها لمحاربته وإلغاءِ مسرحيّته هذه، من مناهج الدراسة في الولايات المتحدة الأميركية.. أيضاً، لإدراج اسمه في مقدمة لائحة ضمّت العديد من أسماء أدباءٍ، وصفتهم بالعنصرية ومعاداة السامية.
لاشك أن هذا السلوك العدواني، لم يؤثّر أو يقلّل من مكانة “شكسبير” أو مسرحياته، فهو المعروف باهتمامه بالإنسان، وبكونه من أشهر وأكثر شعراء وكتّاب ومسرحيي العالم، اهتماماً بمعاناته وقيم حياته.
نعم، لم يؤثر هذا السلوك الصهيوني العدواني، على مكانته وأعماله، وإن كان له من أثر، فهو الإقدام أكثر على قراءة “تاجر البندقية”، ومن قِبل من لم يكن قد قرأها أو شاهدها، وأدرك بعد أن فعل، بأن كلّ ماهدفت إليه، الإشارة إلى أن الصهيونية تسعى لبناء أمجادها ومصالحها، بكلّ ما يتوفر لها من السبل، حتى ولو تطلّب الأمر إهدار الدماء الإنسانية.
أما عن الشخصية التي جسّد”شكسبير” من خلالها هذا السلوك العدواني، فهي شخصية “شايلوك”.. المرابي الجشع الذي جمع ثروته من الربا الفاحش.
كان هذا المرابي يعيش في مدينة البندقية، وتحديداً في فينيسيا، حيث يتواجد التجار ومنهم، تاجر يدعى “أنطونيو”، امتلك من الأخلاق والاحترام، ما أثار غيرة وغيظ “شايلوك” الذي أضمر له الحقد والرغبة في الانتقام، وإلى أن أتته الفرصة، عندما اضطرّ “أنطونيو” للاستدانة منه، كي يساعد صديقاً طلب منه مالاً، لم يكن متوفراً لديه.
وافق “شايلوك” على إعطاء أنطونيو المال، لكن بشرط، أن يوقّع له على عقدٍ يتيح له، قطع رطل لحم من جسده، ومن المكان الذي يختاره، في حال تأخّر ولو ليومٍ واحد، عن سداد الدين في الموعد المحدّد.
إلى هنا ونكتفي، فالجميع يعرف النهاية التي ننتظر اليوم أن تتحقّق، كما تحقّقت في “تاجر البندقية”.. النهاية التي تنتصر للإنسانية، وتجعل العدالة تنتقم من أصحاب النفوس الحاقدة والأنانية.. نفوس أحفاد “شايلوك” ممن ورثوا أحقاده وعنصريّته وشروره، بل وإحساسه بالتفوق الذي عبّر عنه بقوله:
“يبدو كأنه ذليل.. كم أكرهه!. وإني لأمعن في كراهيته، لكونه يُقرض أمواله للناس بكثرة، ودون فائدة.. لو استطعت الإيقاع به مرّة، لشفيت غليلي منه تجاه أحقادي الدفينة.. لعن الله عنصرنا المقدّس إن أنا سامحته”..