ثورة اون لاين:بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
لم تعد «الحماسة» الغربية – هي ذاتها – التي حاولت تجيير المشهد العالمي برمته وتحويل لياليه ونهاراته إلى خلايا تواصل وتحالف وصفقات ابتزاز ومتاجرة، من أجل التحشيد لمواجهة داعش،
ومعها تتغير الأولويات وتتبدل المعطيات الضاغطة بصورة تكاد تعم مختلف دوائر القرار الغربي وصولاً إلى عواصمه التي باتت أهدأ وأكثر استمهالاً في تحديد خطواتها اللاحقة، بعد زوبعة التهويل والتجييش.
في القراءة الأولية.. يبدو أن المواجهة التي يعد لها الغرب ليست على جدول أجنداته الحالية، وأن نغمة القصف التمهيدي سياسياً ودبلوماسياً كانت لتسليك الممرات والقنوات المعتمدة، فيما الحلفاء والمتحالفون يمضون أيامهم ولياليهم في هدوء وسكينة لا تنم عن هواجس الوقت ولا مخاوف من خطوط الإرهاب الداعشي المتسارعة وهي تشهد إعادة تصويب في مسالكها.
وفي التفسير المعمق للحالة الغربية.. ثمة ما يستوقف إلى حدود أبعد من ذلك، بدليل أن ما ترتكبه داعش من مجازر إضافية لا يحرك عقارب الساعة الغربية المتباطئة، ولا هي معنية بتطوراته، ولا عدد ضحايا الإرهاب الداعشي من بوابة الانتظار الرخيم والهادئ والخالي من ظواهر وعلامات التوتر التي شهدناها في بداية التحشيد.
والأمر ذاته، ينسحب على أدوات التحالف الغربي في المنطقة التي تبددت على حين غرة دواعي الخوف المرافقة التي اقتضت في كثير من الأحيان إعادة النظر والتمهل في إطلاق المواقف المندفعة، وإعادة نظر تقييمية لما سبق لها أن أعلنته، ولو اضطرها الأمر إلى لعق هواجسها ومخاوفها على استحياء، أو بشيء من الحرج السياسي والدبلوماسي الناتج عن تغافل الغرب عن النظر إليها بجدية.
الأكثر إثارة أن يتم النظر إلى المسألة على أنها حقل تجارب إضافي لقراءة مدلولات ما آلت إليه الأمور، وما استبطتنه من مشاهد خارجة من رحم الكارثة البشرية المنتظرة، وهي تعد خطواتها المتباطئة بالسنتمتر، فيما المنطقة وشعوبها تدفع ثمن السياسة الغربية مرتين، الأولى في إطلاق الوحش الغرائزي في القتل لدى داعش ومتمماته من التنظيمات الإرهابية الرديفة أو المشتقة من رحمها، والثاني حين تتثاءب على خط المواجهة، وكل ما تعلنه حتى اللحظة محاولة الاطمئنان إلى أن عداد الموت المجاني يعمل بفعالية من دون توقف.
على هذه الاستفاضة في تقليم الموت لضحاياه من شعوب المنطقة يستجر الموقف الغربي في السياسة والتنظير – على حد سواء – الكثير من المشاهد المقلوبة رأسا على عقب، وتحديداً فيما يتعلق بالسرد الطويل أو الشرح الموسع لتعاريف ومصطلحات ما ينتج من تنظيمات إرهابية، حيث باتت الدبلوماسية الغربية مرتعاً يخوض فيه وزراء الخارجية وسفراء عواصم القرار والهيمنة العالمية معترك التفسيرات، فيما يأخذ المنظرون التقليديون دور بناء المواقف السياسية وما يبنى عليها.
فالتزاحم بين وزير خارجية فرنسا وأميركا على شرح مرجعيات التنظيمات الإرهابية وعلاقتها بالإسلام يشي بالكثير مما تبطنه حال السياسة الغربية، فيما تقف على الضفة الأخرى محاولات يائسة ومستميتة للخوض في تعابير تعكس الحال الغربي وما يطفو على السطح، حيث تنشغل الدوائر السياسية والدبلوماسية في توضيح هنا وتصويب هناك، على قاعدة أن الانهماك في تحشيد العالم من أجل مواجهة داعش قد أفضى إلى خلق مساحات من الفراغ السياسي دفعت بالدبلوماسية الأميركية والفرنسية إلى المحاججة في أصول التنظيمات!!
ليس من الصعب الإدراك بان الإشغال الغربي للوقت بالنقاش لا يعكس الحال الفعلي لسياسات باتت تختصر المسألة بالعلاقة التي أفضت إلى تنازع صلاحيات الانتماء أو عدم الانتماء، بقدر ما تترجم رغبة في تمييع المشهد وتشتيت الأنظار عن الخفايا التي تحكم القرار الغربي عموماً، وتحالفاته المستقبلية في مواجهة يصر الغرب على تسطير الرسائل المتتالية بأنه ليس في عجلة من أمره، ولا هو تحت ضغط الوقت.
داعش وغيرها من تنظيمات الإرهاب تمارس القتل والذبح، والغرب يضرب أخماس مصالحه في أسداس أطماعه، فيما تنشغل أدواته بتقاسم فتات ما تركته موائده من بقايا أدوار القتل القادم على مركب تتقاذفه ريح الموت ولا تشغله عنه هبات التحالف، ولا أعاصير الانتظار على منعطف يجول فيه تثاؤب الغرب بمرارته وبالكثير من مشاهد الموت المجاني.
a.ka667@yahoo.com