الملحق الثقافي- رفاه الدروبي:
كيف نتعامل مع الإعلام الموجَّه للطفولة: المقروء، المرئي، المسموع، إضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعي الآن، وماذا يتابع الأبناء، وما سماته، وكيف نحمي أطفالنا من طوفان غزوه؟
الدكتور راتب سكر قال: يختلف المهتمون بأدب الأطفال العربي اختلافات متنوعة في غيرمضمارمن ميادين مكوناته الفكرية والفنية، ثم أعطى سبباً وجيهاً من الأسباب الكامنة خلف تلك الاختلافات، الواصلة ذروتها مع مبالغات قطبين رئيسين من أصحابها، يرى أولهما: ضرورة الأخذ بما توصَّل إليه الباحثون الغربيون في رفعهم سن الطفولة، وتحييدها عن خوض غمار قضايا الكبار وأدبهم، بينما يرى ثانيهما: خصوصية الطفولة العربية، فيتحوَّل كثيرون من أبنائها إلى معيلين، أو مشاركين في إعالة أسرهم، وفي أحيان غيرقليلة إلى أعضاء في الأحزاب، أو المنظمات الرديفة للأحزاب، في ظروف عدد من البلدان العربية، ولاسيَّما فلسطين ومخيمات أبنائها في شتاتهم العربي والعالمي، لافتاً إلى تقدُّم تقانات التواصل الاجتماعي في العقود الماضية، حيث عزَّزت انهدام الجدران بين أدب الأطفال وأدب الكبار فكراً وفناً، وسط تعالي الصيحات عن ضرورة حماية الصغار من الخطر المحدق.
كما بيَّن بأنَّ المشكلة ظلّت مضمرة طويلاً كونها تتصل بتحديد الخطر المحدق بالأطفال، وتساءل: هل تركَّز الخطر نفسه في تداخل أدبهم مع أدب الكبار فكرياً وفنياً، أو تركَّز في الدعاوى الغربية الهادفة، في قسم مهم موجّه منها، إلى تجريد الطفولة العربية من هويتها، تطلُّعاً إلى مستقبل عربي، لايزال مضمراً في طفولة تائهة بلا هوية وسط ذينك الاتجاهين؛ ولابدَّ من حوارات هادئة بعيداً عن التشنُّج الصاخب، المصاحب بالاتهامات، لإعادة جدولة الأماني في صناعة كتابة صعبة، نسميها «أدب للأطفال».
معرفية ترفيهية
الكاتبة ميَّادة مهنَّا سليمان قالت: ممّا لاشكّ فيه أنّ للإعلام تأثيراً کبيراً على الطفل، فالطفل يتلقَّى أشياء معرفيّة وترفيهيّة كثيرة من وسائل الإعلام المختلفة، يجب أن يکون هناك وعيٌ فيما نُقدِّمه لأطفالنا، سواءٌ أكانت الموادّ المقدّمة منتَجة محليَّاً، أم تمَّ شراء حقوقها من بلدٍ آخر، فليس كلُّ مايقدَّم لهم يرقى للمستوى المطلوب، وليس كلُّ ما قُدِّمَ، ويقدَّمُ بنافعٍ، ومفيدٍ، ومُسلٍّ؛ ثمَّ طرحت مثالاً ممّا كنا نراه من برامج في طفولتنا قائلةً: إنَّنا لا نستطيع نسيان الرّعب، وحبس أنفاس كانت تنتابنا عند بثِّ برنامج للأطفال عن الدّيناصورات صباح كلّ جمعة عند العاشرة والنّصف في مطلع تّسعينيّات القرن الماضي اسمه «الرّجل الحديدي»؛ لم يكن فيلماً كرتونيَّاً، بل كان على شكل ديناصورات ضخمة مجسَّمة بتقنيات عالية جدَّاً، في البرنامج وكان جزء من الشخصيَّات الكرتونيَّة «كمال ولميس»، يتَّحِدان، فيقول كمال: «هيّا لميس، في الاتِّحاد قوَّة»، ليُصبحا قويّينِ أمام ديناصورٍ كان بشعاً ومخيفاً يتقدَّم بخطوات تهتزُّ منها الأرض، بينما يسعى لتحطيمهما بقدميهِ المرعبتينِ، ودوماً ينجوانِ في اللحظاتِ الأخيرةِ الحاسمة، بعد أن يجعلانا نعيش في قلقٍ وتوتّرٍ كم كنَّا نُراقب خلاصَهما منه.
لم نكن نستطيع أن نقاوم متابعة البرنامج على الرّغم من كمِّيَّة الرّعب فيه، وكنَّا نظلُّ متأثِّرين بالحلقة لمدة يومين، فإذا أراد أحدنا الذّهاب إلى غرفة ثانية، كانت قلوبنا تنقبض رعباً مخافة أن يظهر لنا ديناصور! وكلّنا لا ينسى غرندايزر، وكيف قلّده بعض الأطفال وقفزوا من أماكن عالية، فتعرّضوا للخطر، أولقوا حتفَهم بسبب تقمُّصهم شخصيَّته.
وأشارت إلى برامج كثيرة للأطفال تكون مضامينها شديدة السُّمِّيَّة على عقولهم، يكون بعضها موجّهاً لهدم الأخلاق، أو لبثِّ العنف، والتّرغيب بالقتل، أو للإساءة إلى العادات والتقاليد والمعتقدات، وأصبحت تترافق في عصرنا البرامج نفسها تبثُّ مع ألعاب إلكترونيّة خطيرة فكريَّاً، ونفسيَّاً، وتثقيفيَّاً على عقل الطّفل، وبعضها له أهداف سياسيّة تحريضيّة، فكانَ من واجب الإعلام وقتَ الحرب على سورية أن يقدّم برامج تواكب الحدث، ليتبصّر الطّفل بحقيقة مايجري، وأن تقدّم له برامج تحكي عن تضحيات الشّهداء، وشجاعة الباسلينَ في الذّود عن الوطن، والسّهر لحماية أهله.
ثم قالت: إنَّ الأمر ذاته الآن، في ظلّ ما يجري في فلسطين الحبيبة، ينبغي أن يقدّم الإعلام برامج توعية للأطفال، تحكي عن الحقّ المغتصب، وعن أهمّيّة الدّفاع عن الأرض والوطن كمعتقد إنسانيّ، وفكريّ، ووطنيّ، واجتماعيّ، وأنّ القدس لايمكن أن تكون إلّا عربيّة، وأنّ لشعبِها حقَّاً في العيش الكريم بظلّ وطن يحميهم، منوِّهةً خلال حديثها بأنَّه رغم وجود بعض سلبيّات الإعلام الموجّه للطّفل، لكن هناك إيجابيات منها: تنمية الخيال والحسّ الجماليّ لدى الأطفال، وتقديم معلومات بطرق محبّبة، ومبسّطة فيها متعة وتسلية، عدا عن تعزيز القيم الأخلاقيّة، والتّصرّفات المحمودة، وتقويم بعض السّلوكيّات الخاطئة في الحياة من خلال شخصيّة كرتونيّة تجذب الطّفل بشكلها، وصوتها، وألوانها، والأمكنة المحيطة بها، والشّخصيّات المتحاورة معها،
خاتمة حديثها عن ما قاله إريك هوفر: «الأطفالُ همْ مفاتيحُ الجنّةِ»، فأرجو أن نحافظ على المفاتيح، ونحميها من الضّياع.
العدد 1174 – 16 -1 -2024