الثورة – رفاه الدروبي:
وضع واقع الإعلام الثقافي على بساط البحث والمناقشة في ندوة عنوانها “الصحافة الثقافية في سورية بين عدة أجيال” شارك فيها رئيس اتحاد الصحفيين السوريين موسى عبد النور والباحث والكاتب ديب علي حسن والإعلامي عمار النعمة، وأدار دفة الحوار الشاعر محمد خالد الخضر في ثقافي أبي رمانة.
استهلَّ بداية الندوة الكاتب والإعلامي ديب علي حسن، مشيراً إلى عدم وجود صحافة ثقافية وإنَّما دوغما ثقافيَّة، فالكل أصبح شاعراً وكاتباً ومبدعاً؛ ولا أحد يصل إلى مرتبة ما يُسمَّى بالصحافة الثقافية؛ وليس كلُّ مبدع مثقفاً والعكس صحيح، كما لفت إلى عمق المشكلة فالصحافة استطاعت أن تُرسِّخ التنوير والوجدان العربي، إذ أدّى المثقفون والصحافيون الثقافيون في الوطن العربي دوراً مهماً جداً؛ لكن تحوَّل الصحفي الثقافي في المرحلة الآنيَّة إلى مجرَّد متابع للأخبار بمعنى نسخ صورة طبق الأصل، إضافة إلى عدم توفُّر صحافة نقدية.
واعتبر الكاتب حسن أنَّ للصحافة الورقيَّة دوراً مهمَّاً ووثوقيَّة ورقيَّة ليس لها ثمن ولايمكن التأثير بها ومازالت الصحافة الغربية تتغنَّى بالأدباء في ذكرياتهم ومئوياتهم وتتابع الأحداث الواقعة وتنشر تحقيقاتٍ ثقافيَّةً وكتباً، ولابدَّ من الاهتمام بالنشر الإلكتروني، لافتاً إلى أنَّ المرحلة الحاليَّة تقف أمام ذاكرة غبارية تستطيع محو المعلومات وإزالتها بمجرد الضغط على الزر.
بدوره الإعلامي عمار النعمة تحدَّث عن الواقع الثقافي في صحيفة الثورة، سواء أكانت مطبوعة أم الكترونية ويعتبره أمراً لايمكن تجاوزه رغم الفترة الصعبة الراهنة، مُوضِّحاً أنَّ الواقع الثقافي خلا من وجود صفحات بشكل يليق بالإبداع بعد دمج الأخبار المنوّعة مع الفنية ما أدَّى إلى وجود تجريف ثقافي حرم القارئ من حقه في مطالعة ومواكبة أحداث ثقافية يبحث عنها كي يشبع حاسة الإبداع لديه، كما أدَّى إلى افتقار التنوير العقلي للمهتم بالشأن الثقافي والسبب يعود لفكرة اهتمام الصحافة بما نستطيع أن نصفه بالجماهيرية والشعبية الخاصة بقضايا النجوم الشخصية ومشاهير كرة القدم، إضافة إلى انشغالنا بأمور حياتية أخرى.
ولفت النعمة إلى أهمية فكرة الملاحق الثقافية بشكل عام ودورها بلفت الانتباه لقضايا ثقافية وضم قراء جدد، مشيرا إلى ضرورة الاهتمام بها في صحافتنا .
رئيس اتحاد الصحفيين موسى عبد النور عاد بذاكرته إلى البرامج الإذاعيَّة والتلفزيونيَّة المقدّمة في فترة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي حيث قدَّمت التلفزة والإذاعة أهم البرامج الثقافية كان أغلبها يعتمد على الحوار ونقل الندوات والنقاش ورسائل جامعية، إذ كانت مدتها تتراوح بين نصف ساعة وخمس وأربعين دقيقة باستثناء برامج الشعر والليل موعدنا، منوِّهاً بأنَّ البرامج الإذاعيَّة كانت تتناول شخصيات روائيَّة وآفاقا مسرحيَّة، وطرقت باب الأدب العالمي من خلال ظواهر مدهشة وبرامج موسيقية ولقاءات أدبية وأعمال درامية مستقاة من التاريخ العربي المضيء لأنَّ القائمين على الجانب الثقافي كانوا أصحاب قرار وعلى قدر من الثقافة، إضافة إلى تمكُّنهم من قواعد اللغة العربية.
في ختام الندوة انعقدت جلسة نقاش رأى خلالها الكاتب عماد نداف بأنَّ البرامج الثقافية في العقود الماضية عرَّفت على قامات كبيرة من خلال الصحافة المكتوبة أمثال: أدونيس، ممدوح عدوان، شوقي بغدادي، عادل أبو شنب، مُنوِّهاً إلى عدم استطاعتنا مخاطبة عقل الجيل الجديد في ظل أدوات العصر الحديثة إذ تتركَّز المشكلة في شكل الطرح وأدواته وشفافيته ويمكن للقارئ متابعة مشكلات الفنانين في الصحافة العربية ولا يتابعها في الصحافة السورية.
كما بيَّن الإعلامي أسامة شحادة أن المرحلة الإعلامية السابقة للتلفزة والإذاعة السورية كانت تُقدِّم برنامجاً عن جمال اللغة العربية لم يكن له هدف إلا الارتقاء بها في بلدنا، مشيراً إلى أنَّ المذيع كان حجَّةً في اللغة، يتغنَّى بجمالها وعراقتها ورقَّتها، وكان مدرسةً في السياسة والثقافة والإعلام، ثمَّ تساءل عن أسباب التردِّي بقواعدها في المرحلة الراهنة، مُوضِّحاً أنَّ المشكلة ليست إذاعة أو ثقافة وإنَّما مجتمع بشكل عام، فالعدد القليل من الجمهور في محاضرة ثقافية مهمة يدلُّ على أنَّه ليس فعلاً طبيعياً بل ينطلق من مدارسنا وإعلامنا ومختلف مؤسسات القطاع العام كونها الوعاء الحامل للثقافة بشكل عام، وشبابنا أصبحت أذهانهم خاوية بشكل عجيب يركضون وراء لقمة عيشهم ولايمكن أن يكون فعلاً طبيعياً وله أبعاده.