بكل وضوح رسم موسم الشتاء لهذا العام صورته منبهاً إيانا أنه موسم جاف لم تهطل الأمطار فيه إلا مرات ثلاث في دمشق، ومرات أُخَر أكثر عدداً في المحافظات الماطرة كاللاذقية دونما فائدة تذكر لكونها تشق طريقها نحو البحر فوراً.
جفاف الشتاء يعني قسوة الصيف إن كان على مستوى الطقس على اعتبار الأرض الرطبة بمخزونها المائي او الثلجي تبرّد حرارة الصيف وبدونها فالصيف لاهب جاف، او على مستوى تزويد المياه في المدن السورية وبالأخص دمشق الاعلى كثافة سكانية على الإطلاق، الأمر الذي ينبئ بصيف محدود المياه شديد الحرارة كما هو حاله خلال السنوات الست المنصرمة.
الغريب في الامر هو غياب أي استراتيجية – وليس خطة – للمياه في البلاد، لجهة مياه الشرب على وجه التحديد بالدرجة الاولى، والمياه اللازمة للري وسواها بالدرجة الثانية، حيث مازلنا ورغم التراجع المطري خلال السنوات العديدة الفائتة، مازلنا نُصدم بمشاهدة مغاسل السيارات التي تعتمد ليس على الآلية والتوجيه الأمثل لكمية المياه المستخدمة، بل على كثافة المياه في غسيلها لسيارة ستتسخ بعد ساعة من الوقت، ناهيك عن المسابح التي بات معظمها يعتمد على الآبار بل وحتى مياه الصنبور (أي مياه الشرب) في ملء احواض بكاملها لتكون متاحة كمقصد شعبي.
اما الكوميديا السوداء فهي في الآبار الارتوازية التي تُفتح دونما حسيب او رقيب وتكون حكراً لمن حفرها، مستنزفة كميات ضخمة من احواض المياه الجوفية لصالح من يتملّكها، وهي حقيقة لم يتابع احد مناطق ريف دمشق بكاملها ليصل إليها، بل هي احاديث لموظفين رسميين في معرض تبريرهم لتراجع الكميات المتاحة للاستهلاك من المياه، وعروض لصهاريج تبيع المياه متباهية بعذوبة الآبار التي تملأ منها!
الفكرة التي يبدو أنها غائبة عن ذهن القائمين على الموارد المائية أن كل موسم وكل سنة تمر تستنزف من مياهنا وتقرّبنا خطوات من العطش، في وقت لم يعد ممكناً الحديث عن حصة أطفالنا في هذه المياه ما دمنا نحن انفسنا اليوم مهددون بالعطش.
تحديد آلية الاستهلاك تكون مجدية يوم تُفرض على المسابح ومغاسل السيارات والمطاعم وسواها، بدل من رفع أسعار المياه على المواطن ومراقبة استهلاكه، فمهما تعاظم هذا الاستهلاك يبقى منزلياً ولا يعادل استهلاك منزل في سنة كاملة ما يستهلكه مغسل واحد في أسبوع وربما يوم.
لعل واقع الحال يحفّز وزارة الوارد المائية على خطوة مجدية في نتائجها وضابطة لكل التجاوزات الحاصلة على مخزوننا المائي.. ولعل البداية تكون من إيجاد حل لتخزين جزء من مياه الامطار الكثيفة التي تهطل في الساحل ضمن حوض السن لشرب محافظة عطشى بدلا من التقاط الصور بجانب الحوض!.
السابق